Friday, December 28, 2007

لهذه الأسباب، طلقت ليلى

أصدقائي وأعزائي، تعودنا أن نتحادث معا في أوقات السراء والضراء، أن أشكو إليكم فتشيرون علي أو تشكون لي فأمدكم بالرأي السليم. ومنذ البداية، منذ قررت أن اجعل حياتي الخاصة مشاعا لكم، لعيونكم وآذانكم الراغبة في المعرفة، على ستاتوس الفيسبوك أو في بعض التدوينات، منذئذ وأنا أؤمن بأن مصارحتي إياكم هي الطريق الأمثل للمواجهة.

عرفت أن كثيرا منكم قد اعتصره الألم لانفصالي عن ليلى، خاصة الذين تابعوا قصتنا من البداية، أؤكد أن الألم اعتصرني مثلكم بالضبط، مع فارق بسيط، فأنا يا أصدقاء يعتصرني الألم منذ خمس سنوات بالضبط، خمس سنوات وأنا أعيش جحيما يوميا، جحيما من قلة التواصل وعدم وجود أي تفاهم من أي نوع مع المرأة التي يفترض أنني أشاركها نفس السقف ونفس الجدران في علاقة يفترض أن اسمها هو زواج.

العذاب بدأ منذ خمس سنوات، ولكن وتيرته غدت أكثر تسارعا وشدة في العام الأخير، عندها بدأت ليلى في التحول إلى امرأة مقيتة، بدت كأنها تريد هدم كل ما كنت أحاول بنائه منذ زواجي بها.

أصدقائي الأعزاء، لا يتسع وقتي ولا وقتكم لأشرح كل شيء، ولكن لأسرد قصة واحدة معبرة: منذ أربعة أشهر ثارت خناقة كبيرة بيني وبينها، خناقة تافهة إذا جاز التعبير، أنا أريد نقل فوتيه من الأنتريه إلى غرفة المكتب، قدام الكمبيوتر، شرحت لها، هذا سيكون مريحا لي أكثر، فوجئت بها ترفض، ساقت وقتها عددا من الحجج مثل عدم ملائمة لون الفوتيه لغرفة المكتب وما إلى ذلك، يا بنت الحلال نحن في غرفة المكتب، من سيزورنا هناك ومن سيرانا؟ استيقظت يارا، بدأت تراقبنا بعيون مذهولة، شاهدت أمها وهي تعترض على أبيها بصوت عال، وهي تتجادل معه وتدخل في نقاش معه. شاهدت البنت كل هذا بعينيها، اضطررت أنا وقتها للصراخ بل ربما قد أكون مددت يدي عليها بشكل ما، لا أذكر بالضبط، فماذا فعلت رفيقة عمري، حياتي، حبيبة قلبي؟ تركت البيت ليومين عند أبوها، كم كانت هذه أياما كريهة.

كان يمكن لليلى أن تعارضني قبل ذلك، بل وأكثر من هذا، فلقد سمحت لها أكثر من مرة بالدخول في جدل معي حول ما يصح وما لا يصح، على الرغم من أنها تعرف جيدا كراهيتي للجدال، خاصة لو كانت امرأة، وأعتذر للجنس اللطيف، تجادل رجلا، وليلى لم تكن استثناء أبدا. فما بالك لو حدث ذلك أمام الصغيرة، التي لا تزال تتعلم بعد مبادئ الحياة، تتعلم أن الرجل رجل والمرأة مرأة. تتعلم كيف على الرجل أن يكون مطاعا في بيته، تتعلم احترام أبيها واحترام الذي لأجله وبفضله قام هذا البيت ووجدت هي نفسها!؟ اضطررت وقتها للذهاب إلي بيت نسايبي لإحضار ليلى. وكان هذا كريها ومشينا، كما تعرفون.

بعدها صارت السيدة ليلى تناقشني في كل كبيرة وصغيرة، متعمدة استفزازي، تتأخر بقصد عن إعداد الشاي، تبدأ في التذمر بمجرد أن أطلب منها شيئا، وتتحول إلى مجنونة إذا ما شرعت بالضرب الهين غير المبرح لها تنفيذا لأمر الله، وتتعمد أن توافق أو تتمنع بدون منطق محدد عندما أرغب بإقامة الواجبات الزوجية معها، بدون سبب مقنع توافق أو تتمنع، بدون مواعيد محددة توافق أو تتمنع، كأنها ترغب في وضعي على الدوام تحت رحمتها، وكل هذا تراه وتتعلمه يارا الصغيرة، تتعلم ميزان الكون مقلوبا. باختصار، بدت ليلى عازمة على طلاقها.

المهم، وحتى لا أطيل عليكم، لم يكن ممكنا أبدا للسيدة ليلى أحمد علوان أن تجعل مني أضحوكة أو أن تخلصني من سيادتي عليها، باعتباري ذكرا، وأنا هنا حريص على عدم تنميق الكلام، وبالفعل، فالذكورة هي مجد العالم، هي جوهرته، وذكورتي أنا لا تعني إلا سيادتي، ذكورتي لا تعني إلا قضيبي، وقضيبي يعني أني قادر على منح المتعة ومنح الأطفال والإيلام في نفس اللحظة، ولذا فأنا سيد وأنا مسيطر، ودعونا لا نعير أذانا لسائر المخنثين في العالم.

الآن أنا مع يارا، الآن نؤسس عالمنا الجديد والجميل، الآن اعدها لتنتقم لأبيها من زوجته السابقة، السيدة التي أذته أكثر من أي شخص آخر. الآن تتعلم الكون على استقامته مرة أخرى، تتعلم كيف يؤدي كل شخص دوره في هذا الحياة، ومن خرج عن دوره فليتحمل، أسترجع أمام يارا ما فعلته أمها، ألقنها إياه، لا أدعها تنساه أبدا، حتى إذا صارت يوما امرأة ناضجة، استطاعت الثأر للشخص الذي لولاه لما كان لها وجود.

أصدقائي وأعزائي، يوما ما، كتبت عن ليلى رواية، وقتها أسميت شخصية الرواية، وكان اسمها هو عنوان الرواية، نفس الاسم الذي لليلى ومنحت اسم أبيها الحرف الأول من اسم حمايا، أبو زوجتي الفاضل، لا أبو زوجتي الفاضلة، هذا توضيح فحسب. لا أنكر أنني أحببت ليلى يوما، وأنني حلمت أن نعيش إلى الأبد في نفس البيت ومع نفس الطفلة. الآن كل هذا ذهب أدراج الريح. ما علمته لي الحياة كان قاسيا للغاية، وأبرزه أن لا أحد يتخلى عما يعتقده لأجل شخص آخر، أو، لنكن أكثر صراحة، لأجل امرأة. هن جعلن لتتم مضاجعتهن، وحتى الآن لم أعرف لهن وظيفة أخرى ذات جدوى.

أعتذر للجميع وأشكر الجميع وأتمنى لو كان كل شيء على ما يرام لدى الجميع.

المخلص لكم دائما: نائل



Friday, December 21, 2007

الجزيرة أو من البداية لم تكن هناك أية حكومة


"من النهاردة مفيش حكومة.. أنا الحكومة" هكذا كانت صرخة منصور حفني الراغب في تطهير جزيرته من عساكر الداخلية بعد أن بدأوا يفتحون أعينهم على نشاطه. كانت هي كذلك الصرخة التي دفعت الكثيرين، ومنهم عبدكم المخلص، للتحمس لمشاهدة فيلم "الجزيرة"، إخراج شريف عرفة وقصة محمد دياب وبطولة أحمد السقا، ودفعت الكثير من المشاهدين منهم لكي يهتفوا في الشارع بعد انتهاء الفيلم قائلين "أنا الحكومة" ويصفقون بهستريا أثناء اللحظة الدرامية للنطق بالعبارة، أو أن هذا على الأقل ما حدث في سينما نورماندي وعلى أبوابها.

في جزء منه، فالجزيرة هو نسخة مصرية، وصعيدية بالتحديد، من "الأب الروحي". مايكل كورليوني "آل باتشينو" هو الشاب المثالي الذي يتطوع في الحرب دفاعا عن أمريكا وقيمها، ويرفض الإجرام الذي تمارسه عائلته المافياوية. فجأة يقرر الأب تدشين ابنه الصغير باعتباره الأب الروحي الجديد. يقابل هذا بذهول، ويتم تفسيره على أن عائلة كورليون تسير إلى الضعف، يكون لزاما إذن على مايكل إذن أن يمر باختبارات نار عديدة لترسيخ عائلته وإثبات وجوده على رأسها. وفي الجزيرة، منصور حفني هو "الأستاذ منصور بتاع المدارس" الذي ينظر له أقاربه باستهانة، بينما يقرر الأب "محمود ياسين" إعلانه كبير العائلة، بسبب كونه "ابن المدارس" بالتحديد. يمر منصور باختبار بسيط في البداية، يتحداه عمه حسن "باسم سمرة" للنزال تحطيبا. يكاد ينتصر عليه. يقفز منصور عاليا ليفجر اللمبة، ينصرف لثانية انتباه العم المبارز إليها ويكون هذا كافيا لكي تكون عصا منصور ملامسة لرأسه ومهددة بتهشيمها. اختبار آخر في أثناء تسليم البضاعة ومنصور على رأس العملية، تهجم عائلة على البضاعة لسرقتها والهرب بها، ينجح منصور في استرجاعها بعد مطاردات وأكشن. هكذا يموت الأب مطمئنا على العائلة التي ولد كبيرها أسدا ينهش لحم من أمامه.

***

الفيلم لم يبدأ بعد البداية الحقيقية. سيحدث هذا في جنازة الأب. تهجم عائلة النجايحة، التي رفضت من البداية الانضواء تحت كنف منصور باعتباره الكبير، على سرادق العزاء، يقتلون أم منصور وزوجته. نتابع منصور وقد أصبح بلا رجال، بعد أن دخلوا السجن، وهو مطالب وحده بالثأر من عائلة كبيرة أعلنت عن دفع مبلغ مئة ألف جنيها ثمنا لرقبته. شيئا فشيئا يتمكن من استرداد قوته، يكون جيشا من مطاريد الجبل عن طريق وعدهم بالنزول إلى الجزيرة والعمل بها، ينجح في الحصول على سلاح من السودان بعد أن اختفى السلاح من مصر أيام الإرهاب، يستميل إليه الداخلية عن طريق رشوة ضباطها الفاسدين بالمخدرات والسلاح والإرهابيين ومسجلي الخطر الذين يريدونهم لإحراز ضبطيات كبيرة. شيئا فشيئا يبدأ منصور في إعادة تكوين مملكته الجديدة، ومن الصفر هذه المرة.

تحدث المذبحة التي لا مفر منها لعائلة النجايحة. بيوتهم تنفجر وأراضيهم تحترق ورجالهم يذبحون. وبرغم توسلات كريمة، حبيبة منصور (هند صبري التونسية الأصل.. والتي كانت عظيمة كالعادة، تحدثت الصعيدية كأهلها، في مقابل زينة، مصرية الأصل، فايقة زوجة منصور، والتي كانت صعيديتها كصعيدية مزز نادي هليوبوليس) برغم توسلات كريمة لمنصور بأن يرحم أخاها، أخاها الذي كان قد قتل من قبل زوجة منصور وأمه، فإن الأخير يقتله بطلقة واحدة من مسدسه. بطلقة واحدة يتمكن من الثأر لأهله والقضاء على عدوه وعلى ضعفه الإنساني أمام حبيبته، ثلاثة أهداف في خبطة واحدة. هكذا، في قلب المذبحة، يتم تعميد منصور حفني بالدم، قبل أن يعلن، مرة واحدة وإلى الأبد، إمبراطورا على الجزيرة المزروعة في كل شبر منها بالأفيون والسلاح. بالنسبة لمايكل كورليوني فقد كان لابد أن ينتظر المشاهدون نهاية الجزء الأول من "الأب الروحي" حتى يروا مذبحة تعميدية كتلك، مايكل يقوم بتعميد طفلين في الكنيسة، ينطق القداس كلمة كلمة، بينما رجاله بالخارج يقضون على رؤوس العائلات المنافسة. ينتهي الجزء الأول وقد أصبح مايكل كورليوني ملكا متوجا لعائلة كورليون. هكذا يولد كل من البطلين، تولد لاإنسانيتهم البهية، ويتحولان إلى ما أصبحا عليه طوال الفيلمين، مجرمين أشبه بالآلهة.

***

يبدأ كل فيلم في الافتراق عن الآخر، يصارع منصور من الآن فصاعدا الحكومة "التي يمثلها طارق بيه، الضابط الجديد المتحمس وهو المتحدث في الفيلم باسم خطاب النظام والدولة"، وليس العائلات الأخرى. التركيز على ضباط الشرطة كان لابد له أن يدخل بخطاب فلسفي إلى الفيلم، أو لنقل، أن الفيلم، على قوته، لم يكن مرضيا من الناحية الفنية لصناعه، مما دفعهم لإثقاله بكلام عن حقوق الإنسان وعن النظام في مواجهة الخارجين عليه، أو عن الأقوى الذي يفرض قانونه دائما. يمكن للمشاهدين أن يستعيدوا في هذا الفيلم مشاهد "الهروب" لعاطف الطيب وأحمد زكي وحواراته عن بطولة الخارجين على القانون في مقابل الجبن والخنوثة الدائمين لمن يماهون أنفسهم مع القانون.

للنظام هيبته، قد يسكت على الجريمة بمزاجه، ولكن الكبرياء رداءه والعظمة إزاره ومن نازعه فيهما قصمه. صرخة منصور حفني: "مفيش حكومة.. أنا الحكومة" ثم تفجيره لمبنى استراحة الضباط في أسيوط، هي كلها ما تدفع باتجاه الاقتحام المسلح بالمروحيات والمدرعات لقصره الذي جعل منه قلعة عسكرية محصنة. سؤالي الذي يطرح نفسه: لماذا لم يشر أفيش الفيلم إلى قصة عزت حنفي إمبراطور النخيلة، أو على الناحية الأخرى، لماذا قيل أصلا في الأفيش أن الفيلم مستوحى من قصة حقيقية. بالنسبة لمن يحبون السينما، كان الفيلم ليصبح ممتعا بدون أية إشارة إلى "حقيقة" ما، وبالنسبة لمن يريدون فهم المجتمع، كان الفيلم ليصبح مهما إذا تمت الإشارة صراحة إلى اسم عزت حنفي.

***

أحمد السقا، وصدقوا أو لا تصدقوا، هو ممثل كبير، لا يعوزه إلا شيئان: الاقتناع فعلا أنه ممثل كبير واختيار الأدوار الجيدة. وبرغم أنه ممثل كبير فلم يقم بدور له شأن في حياته باستثناء هذا الدور، والذي ربما كان التدشين الحقيقي له، مثلما كان التخلي عن شخصية ابن المدارس والتحول إلى تاجر سلاح ومخدرات هو التدشين الحقيقي لمنصور حفني، فهكذا هو الأمر بالنسبة للسقا تماما، التخلي عن لهجته القاهرية والتحول إلى صعيدية سلسة كأنما ولد بها، التخلي عن دور الجامد الفشيخ الدكر والمرح خفيف الظل عند اللزوم والتحول إلى دكر من نوع تاني، مجرم، بلا مشاعر إنسانية زائدة، قاتل ولا يعترف إلا بالقوة التي تخيف أعدائه.

هذه صورة مثالية بالطبع عن الفيلم، فصناع الفيلم – وإن كان يحسب لهم عدم إنهاءه بمشهد مقتل منصور الكبير متلقيا زخات الرصاص ومترنحا ببهاء القديسين مثلما كانت عليه نهاية تيتو، وهي النهاية التي كانت متوقعة إلى حد كبير في هذا الفيلم أيضا - أصروا على جعل المرأة، وهي هنا كريمة حبيبته، هي نقطة الضعف الدرامية للبطل، هي التي لأجلها يقرر الصلح مع النجايحة والتخلي عن هيبته وهي التي تستدرجه في النهاية لتسليم نفسه. فكرة قديمة ورومانسية؟ حسنا، ولكنها تتفق مع مجاز البطل التقليدي الذي يهزم الجميع ثم تهزمه المرأة، والفيلم، في وجه منه، يناقش فكرة البطولة لدى الناس، الناس الذين كان أبطالهم دوما وأبدا هم البلطجية والإرهابيون وتجار المخدرات، وفيلم الجزيرة هو دليل جديد ورائع على هذا.

Friday, December 14, 2007

تأملات في الاشتغالة السنية الشيعية

في بلاد إيران المقدسة، وفي حسينياتها العطرة جلست وبكيت..

هنالك تأملت كثيرا حال الأمة وما أصابها من هوان وتناحر وضعف، بأيدي أبنائها قبل أعدائها، وهداني الله إلى صياغة هذه الخاطرة المتواضعة فقلت لأكتبها لكم عسى أن تنول إعجابكم:

السنة والشيعة –في أدق تعريف لهم - هم ناس يزاولون أنفسهم، وهم يفعلون هذا بحرفنة، على الأقل حتى تبدو الاختلافا بينهم اختلافات جوهرية ومسألة حياة أو موت.

السني هو راجل يؤمن بمحمد ويحب علي، وكذلك الشيعي، ولكن الشيعي يحب علي أكتر حبة من السني، هذا عادي. بالمناسبة، المسلم السني يحب علي أوي هو كمان بس بيداري، ويحب علي أكثر من معاوية بس بيداري، نكاية في أخيه وابن عمه الشيعي. السني يسمع الشيعي يصلي ويسلم على فاطمة والحسين فياخد على خاطره ويزعل باعتبار اننا نصلي على النبي وبس، فيقول له الشيعي أمال اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله دي إيه؟

السني لا يحب معاوية بجد. بيحبه بالبق بس، حتى يبين أنه مختلف عن الشيعي، حتى يقنع نفسه ويقنع من حوله أيضا، يعني بيشتغل نفسه، والشيعي كذلك، بيقنع نفسه أن السني بيحب معاوية وبيكره علي بجد، مع أن السني بيحب علي بجد بينما بيحب معاوية وهو عاصر على وشه لمونة.

الشيعي بيكره عثمان، والسني لا يموت في دباديبه، هو لا يعرف عنه حاجة أصلا. تاريخ حياة وخلافة عثمان، لأسباب كثيرة، لم يكن هو المادة الأكثر سخونة وإثارة في كتب التاريخ التي درسها السني.

السني يحب عائشة والشيعي يكرهها، هذا بجد وفعلا وحقا وصدقا، وباستثناء هذا، فكل حاجة في اللعبة دي هي عبارة عن اشتغالة مرحة.

لنقل أنه كان هناك خلاف جذري في وجهات النظر هو ما تسبب في التاريخ الدموي بين الاتنين: السني ينظر إلى الشيعي باستعلاء لأن الشيعي بيفضل أهل الرسول على صحابته، مع أن المنطق بيقول العكس، لأن محدش منا بيختار أهله بينما كلنا بنختار اصحابنا، هكذا يشعر السني العصري الحر المتمرد على قيود العائلة، هكذا يشعر ولا يصرح، لأنه، وعن نفسه، عمره ما فضل أصحاب النبي على آل بيته الكريم. الشيعي على الناحية التانية يعتبر أن الدم عمره ما يبقى مية وأن الاصحاب حاجة وتروح وتيجي إنما الأهل هما اللي فاضلين لنا.

على العموم، ليست هناك شيء أكثر تسلية من إثنين قررا سويا خوض الحرب للنهاية، ثم، وبعد ذلك، أخذا يفكران في تبريراتها. الحرب هنا سبقت أسبابها. أية مزاولة هي!! ونحن، غير المحسوبين على هذا ولا ذاك، نتسلى بالفرجة مستمتعين، وكلما زاد القتل زادت بهجتنا، فحتى الشارع بكل أمجاده لا يقدم لنا عرضا مسليا يشتم فيه الواحد زميله قائلا: أنت وهابي يابني، فيرد الآخر: ما انت رافضي يا روح امك.


Friday, December 07, 2007

عن تعب الأسواني الذي لم يكن له لزوم أبدا والله


إعلان هام: في التدوينة السابقة كاد ظل خلاف حول كتابة علاء الأسواني أن يندلع في التعليقات. يا جماعة الخير، يا محبي الله ورسوله، ها أنا أصرخ إليكم من البرية: الرجل فضله عليّ لا ينكر، أقولها معترفا، بفضله هو وحده ستتم ترجمة نائل الطوخي إلى عشرات اللغات، وبلغات مختلفة هذا دائما أفضل جدا. فأرجوكم، هكذا أقول للقادمين إلى مقهاي المتواضع هذا، أن تعترفوا معي بفضل الأسواني على عبدكم المخلص.

وكان علاء الأسواني (ويشار إليه على لسان مريديه بالدكتور علاء) قد أتعب نفسه كثيرا بلا لزوم والله ليجعلني واحدا من شخصيات روايته. من قرأوا شيكاجو الأسواني يعرفون أن دكتور نائل الطوخي كان سكرتير الرئيس للمعلومات، ورد هذا في الصفحة ربعمية وعشرة أو ربعمية وعشرين، في الربعميات وخلاص. كان الطوخي شخصية متوارية ولكنها تفي بالغرض. ردي الحاسم على هذا: مشكور أخي الكريم على الإشارة.

الرجل أكيد لا يعرفني، وإنما علق في ذهنه الاسم فحسب، غير المنتشر بهذا القدر أو ذاك، ودعنا نكون صريحين، الاسم الفانتازي كأنه اسم لإقطاعي قديم أو لملك الجان على حد سواء، وعنه سأتحدث يوما ما. هكذا استعمله الأسواني ناسيا وجوده في الواقع. كلنا نقع في هذا الخطأ بأشكال مختلفة. وأحيانا يضايقنا هذا وأحيانا لا يضايقنا، وأنا لم يضايقني هذا.

لسبب ما، وبرغم عملي الصحفي، فلم يكن من حظي أن أحدث علاء الأسواني حتى الآن. فقط هذا الأسبوع حادثته لغرض صحفي مجرد. كنت قد ترقبت لهذه المكالمة كثيرا. تخيلت حوارا حداثيا، ساراماجويا، إن جازت النسبة هكذا. في البداية يعتقد الأسواني أنني واحد من شخصيات رواياته وقد اتصل به. على الرغم من أنه – أي الدكتور علاء (ويشار إليه على لسان قراءه بعلاء الأسواني) - لا يحب الخيال كثيرا، ليس نفورا منه، إنه استبضان، الرجل ينبضن من الخيال لأنه يجد الواقع أكثر ثراء. من حق أي شخص أن يأخذ هذا الموقف، عادي جدا، يعني فكرة أن واحدا من شخصيات روايته يتصل به لن تكون مثيرة بالنسبة له. ربما يكتب عنها فقط باعتبارها دليلا على تحول حتى شخصياته الروائية إلى مخبرين لمبارك يهاتفونه لتضييق عيشته وتطليعه من هدومه. ولكن الأهم، سيعود الأسواني إلى روايته ليصحح معلومة كوني سكرتيرا للرئيس. أي سيعيد كتابة شخصيتي باعتباري صحفيا أعمل بالثقافة. والصحفيون فاسدون بالطبع. سأكون صحفيا فاسدا، هذا مطمئن، والأكثر إثارة للاطمئنان هو تاريخ الأسواني الرقيق والمتحضر مع فساد الصحافة، وإلى حاتم رشيد أشير هذه المرة.

قد يطلب الأسواني لقائي على الفور، حتى يطمئن على موهبته الروائية، والمقترنة لديه بتشابه ما يحكيه مع ما يحدث أو ما يعتقد أنه يحدث. قد يجلس ليسمع مني، ليتخذ ما أحكيه مادة له لإعادة تدوير نائل الطوخي في الطبعة رقم 240 لروايته. هنا سأكون انا المتسلل لأفسد روايته عليه، سأكون وقتها قد قرأت الرواية جيدا وعرفت مداخل أبطالها. سأقص عليه معلومات زائفة عني، أتمكن بها من إثبات تورطي في حياة جميع أبطال شيكاجو الداخلية. يجد الرجل نفسه مجبرا على إعادة تدوير الرواية كلها، على كتابتها من أول وجديد، وشكرا للتحية.

هكذا فقط يا رفاق: يكون انهيار بنيان الرواية كلها قائما على الخلل الذي يسببه وجودي الرقيق المشابه للنسمة في الصفحة رقم ربعمية وحاجة من شيكاجو، وشكرا للتحية.

Friday, November 30, 2007

الرجوع إلى الوراء

في البداية أحببت أن أرجع إلى الوراء خطوة، عادي، دست باك، رجعت إلى الصفحة السابقة على شاشة الكمبيوتر، الكمبيوتر كان شغالا لمدة ثلاثة أيام، كنت أحمل عليه أفلاما لثلاثة أيام، وأنا فاتح شاشة الفيسبوك، وفاتح المدونة، وفاتح الإيميل، وشغال، لتلات أيام كنت شغال، بلا راحة، والجهاز لا يشتكي يا عين أمه، رجعت إلى الوراء خطوة على الشاشة، الإيميل الذي رجعت فيه خطوة كانت فيه رسالة غير مقروءة، أشاهدها الآن تحمل إشارة unread message بينما أنا أعرف جيدا ما بها، وخطوة دائما تجيب خطوة، وطريق التنازلات لا نهاية له، دست باك مرة أخرى، ومرة ثالثة ورابعة، فجأة وجدت نفسي فاضي، كنت قد حملت الأفلام التي أريد تحميلها، وليس وراء جهازي أي حاجة غير اللعب المجرد، اللعب الصافي، إلا أن يكون خادم الاستمتاع الشخصي لي، أن يكون معرصي الخاص، وسيلتي لاسترجاع ما حدث في الأيام الثلاثة الماضية، شيئا ما يشبه العودة إلى الماضي، ويعرف الجميع طبعا أن العودة إلى الماضي فعل عبثي، لأنه حتى ونحن نركب آلة الزمن ونعود إلى الأربعينيات فلن يتوقف الزمن عن المضي أماما، عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء، ومن كان منكم يملك ساعة في يديه فلينظر فيها وهو جوا آلة الزمن، ومن كان لا يملك فليخرج موبايله، المهم، بإرجاعي الصفحة باك ثم باك ثم باك، أمكنني أن أشاهد من جديد الأراضي البكر التي كنت قد اقتحمتها بعد ذلك، أشاهدها ببكارتها الأولى، مساحة فارغة لتعليق كنت قد ملأته واتشتمت بسببه، تدوينة كنت لم أكتبها وقتها، شتيمة تراجعت عنها فيما بعد، تزهر على جانبي الطريق الذي أسير فيه عائدا آلاف الاحتمالات البديلة لما حدث في الأيام الثلاثة، لثلاثة أيام أخرى كنت أدوس باك وراء باك، "وراء باك" قد يقرأها أحدهم بشيء من الركاكة باعتبارها و"اراقبك"، أراقب نفسي، ليس بالضبط، أراقب تقدمي، وأمارسه مقلوبا، أعود من نفس الطريق التي أتيت منها، أشاهدني وأنا أصغر وأصغر في الزمن أياما ثلاثة، أراقبني معكوسا، وأنا أتحول إلى الطفل – أو، على الأقل، الأكثر طفولة – الذي كنته من ثلاثة أيام، الفايرفوكس يعمل بديلا عن الذاكرة وعن آلة الزمن، يريني ما كان عليه الأمر سابقا، يسألني، هو قوادي كما اتفقنا، حلو كدا يا باشا فأقول له شغال، فيعيد اقتحام صفحة أخرى، وينتقص من عمري ثوان أخرى، ويعيد تكوين غشاء بكارة الصفحات التي كنت قد فضضتها من قبل، ويعيد انتهاكي لبكارتها، أنا المؤمن الذي يفض حور عينه طوال الوقت وطوال الوقت لا يتوقف غشاءهن عن التكون لدرجة عودتهن أبكارا من أول وجديد كل تلات دقايق يا برنس، تصور إنت!


Friday, November 23, 2007

يوم القيامة المائل إلى الاحمرار دوما

يوم القيامة لم يعد يحظى بالاهتمام في عالمنا المعاصر، وهذا دليل جديد على انحطاط الحضارة.

نعلنها بأسى، أنه على قدر ما يتزايد الاهتمام بالمسائل الحقوقية واضطهاد المرأة والحروب والتفرقة ضد الأعراق المختلفة، وعلى قدر ما يتم علف الأسواق العالمية بالمزيد من الاستثمارات، وعلى قدر ما تتم المناداة بالمساواة، وكأن العالم ناقص، بل وعلى قدر ما يهتم البشر الآن بعذاب القبر والجنة والنار والصراط المستقيم، فإن الاهتمام يذوي تماما بيوم القيامة، وهو ما يفترض أنه مسرح لكل شيء، للخارجين من قبورهم مثل الخارجين من أود نومهم، أي أنه مسرح يثير خيال حتى موظفي شئون العاملين. أي دليل آخر يريده القراء على أننا نعيش عصر انحطاط الخيال؟


***

ذات يوم بعيد، كنا في مدارسنا لا نزال، قالوا لنا أننا سنكون يوم القيامة هكذا، وأشاروا بأصبعيهم السبابة والسبابة من كل كف، ولفوهما حول بعضهما مصداقا لقوله تعالى والتفت الساق بالساق. ومن حوالي اتناشر سنة، أتذكر هذا جيدا وكأنه حدث بالأمس القريب يا إخواني، أظلمت الدنيا نهارا. هبت رياح وأتربة. وتدريجيا تحول اللون العام إلى الاحمرار. وعليه تم تشغيل القرآن في جميع محلات إبراهيم اللقاني حيث أسكن. قيل أنه يوم القيامة. هذا جيد، يوم القيامة أحمر إذن. وصلنا إلى معلومة مفيدة. وكانت هذه آخر المعلومات التي أعرفها عن ذلك اليوم.

***

لم يتسائل أحد عن مزاج الناس قبل القيامة بخمس دقائق: هل سيكونون مبسوطين حتى يأخذهم الله على غفلة وهو المنتقم الجبار، أم حزانى حتى يمهد لهم الله وهو العفو الرحيم؟ هل سيكون يوم أجازة، جمعة مثلا، يخرج الناس من بيوتهم فيه إلى الجنة أو النار أم يضطرون للخروج من الشغل؟ أم سيكون بمثابة كبسة ويحدث الخميس بالليل، حيث الجميع متلبسون، والله كما نعلم لا يحتاج إلى شعرة، لأنه السميع البصير. لا أحد يعرف عن هذه التفاصيل شيئا، بل، وهو الأنكى، بدا أنها لا تشغل ولو سنتيمترا من فضول الناس، على الرغم من أهميتها لترتيب المرء لأوضاعه وأشغاله ومواعيده يومها. قُل علمها، أي علم الساعة، عند ربي، هذا هو القانون الصارم الذي لم يستطع تجاوزه أحد حتى الآن، ولو حتى بانطلاقة لخيال غير محدود.

***

يوم القيامة هو يوم الحقيقة أيضا. أرشيف كامل من المعلومات والآراء النقدية الصحيحة يصبح أخيرا مشاعا لمن هب ودب. يقول لنا الله مبتسما: طول عمركو فاكرين أن صنع الله يكتب أحسن من بهاء طاهر، لا يا عبادي. الحقيقة هي أن بهاء أفضل من صنع الله بلا جدال، أو العكس طبعا. ونضرب نحن كفا بكف لأننا كنا مخدوعين طول عمرنا. أو نعرف أن أحمد زكي ليس ممثلا جيدا وأن طلعت زكريا لو كان أدى أدواره لكان أفضل بما لا يقاس، أو أن رولان بارت كان هو الناقد بألف لام التعريف، في مقابل دريدا الذي لم يكن مجازه الخاص بالاستمناء وتناثر المني دقيقا بحال. أو أن سائق الاوتوبيس عندما وصف الراكبة التي طلبت النزول في غير المحطة بأنها تحتاج رجلا يزبطها كان كاذبا، لأن احتياجها في هذه اللحظة كان إلى معرص يوفر لها مكانا هي والرجل الذي كان موجودا بوفرة، ودعنا لا نقول بابتذال.

***

لنقل أن مقصدنا من التدوينة هو الآتي: ساهموا يا إخواني بكتابتكم في خلق تصور عن شكل مقبول ليوم القيامة الآن. شكرا جزيلا. نراكم على خير.

Friday, November 16, 2007

هوس إثبات براءة السلاطة البلدية

الجمهور الذي ذهب ليشاهد فيلم "سلطة بلدي" لنادية كامل في معهد جوتة لم يكن جمهورا بريئا، هذا أولا.

ببساطة شديدة، الناس سمعت كتير عن الحملة التي اتهمت الفيلم بالتطبيع، ولأن الفيلم يتحدث عن اليهود المصريين - مع خلفية لا يمكن تجاهلها وهي كتاب جوئيل بنين حول شتاتهم – فقد واتت جمهور جوتة، وكان في ذلك اليوم خليطا من اليساريين والليبراليين، الفرصة ليثبت أنه ليست لديه أية مشكلة عنصرية مع اليهود، لذا جمعت بينهم الرغبة العميقة في إثبات براءة الفيلم من شبهة التطبيع التي اتهم بها، ومثلما فعل الليبراليون واليساريون في دفاعهم عن "وليمة لأعشاب البحر"، أي محاولتهم بشتى الطرق إثبات "إسلام الرواية"، هكذا قرر الجمهور أن يفعل يومها، هذا ثانيا.

***

الفيلم صادم تماما. نشاهد فيه، يمكن لأول مرة، مصريين يزورون بيت يهود إسرائيليين، وليسوا إسرائيليين فحسب، إنهم يرتدون أيضا الطاقية اليهودية ويخدم أولادهم في الجيش الإسرائيلي، يمزحون معهم ويهيصون وينسون أم السياسة التي تتربص لهم على الباب. لا أستطيع الإجابة عن سؤال إن كان الفيلم يدعو للتطبيع أم لا. لأنني لا أفهم جيدا قصة "يدعو" هذه. ولكنني على يقين أن الفيلم بحد ذاته هو ممارسة للتطبيع. وإلا فما هو الاسم الجدير بفعل الدخول إلى قلب إسرائيل، ليس الضفة أو غزة وإنما إسرائيل، زيارة يهود، ليسوا صباريم، أي لم يولدوا في إسرائيل، وإنما هاجروا بمحض إرادتهم إليها وسكنوا في بيوت عرب تم تهجيرهم، وقول بطل الفيلم – سعد كامل – أنه يفرق بين الحكومة والشعب الإسرائيليين ويضيف: "الشعب الإسرائيلي شعب طيب"، كأنه بيتكلم مثلا عن الشعب الأمريكي أو الفنلندي. إذن الفيلم هو عمل تطبيعي من الدرجة الأولى، مثلما بالضبط هي علاقة نجيب محفوظ ومحمود درويش وإدوارد سعيد بالإسرائيليين، ومثلما هي زيارة أهداف سويف إلى تل أبيب. وهم جميعا رموز لنا يجتاحنا نفس الهوس لتبرئتهم من تهمة التطبيع أو لتبريرها لديهم.

***

هوس إثبات براءة الفيلم كان هو السبب الذي جعل الضحك الهستيري ينتشر في القاعة يومها ردا على مشاهد بعينها، أفيش عمرو خالد الكبير في ميدان التحرير ومشهد الطفل وهو مرتبك أمام جدته – نائلة كامل – التي تقرأ عليه بطاقة هوية أبيها: الديانة إسرائيلي. أراد المشاهدون أن يفهموا كون الطفل يسخر من عنصرية إسرائيل التي لا تفرق بين الدين والجنسية. طبعا جمهور كهذا لم يقنعه تبرير الجدة بأنه قبل قيام دولة إسرائيل كانت كلمة إسرائيلي تعني يهودي، لم يقنعه كون المشكلة لغوية وليست سياسية وأن الحديث هو عما قبل إسرائيل. جمهور جوتة في ذلك اليوم، وهو جمهور ليبرالي ويساري في الغالب، وهو الجمهور المتعاطف مع الفيلم، كان فخورا باستنارته ونكرانه على إسرائيل كونها دولة قامت على الدين. لذا لم يتح الجمهور لأحد، ولا حتى لبطلة الفيلم وأجمل شخصياته، أن تفسد عليه فخره بنفسه هذا، يضاف إلى هذا أن الضحك الهستيري على المشهد كان في ذات الوقت دليلا رادعا على وطنية الفيلم، أي على براءته من التطبيع، لا ينبغي أن ننسى هذا، هذا ثالثا.

***

فيلم "سلطة بلدي" يستحق كل الضجة المقامة حوله، إنه فيلم يدخل إلى قلب إسرائيل ومع هذا يتجرأ على عدم تصوير معاناة الفلسطينيين. فيلم يتحدث عن الإسرائيليين باعتبارهم بشرا، و ما جاء فيه ليؤكد الآراء العربية حول العنصرية الإسرائيلية حدث بشكل عفوي تماما ولم يخطط له أحد. بهذا المعنى، ومن المنظور القومي الوطني، فالفيلم غير بريء أبدا، وربما تكون عدم براءته هذه بالتحديد هي ما جعلته واحدا من أكثر الأفلام أهمية وجمالا في الوقت الحالي.

وكان هذا رابعا وأخيرا.

Friday, November 09, 2007

حفل التوقيع أو الرغبة الفيتشية في لحس الكتب

1

في الأيام الأخيرة التقيت بأكثر من شخص، أكدوا جميعا على أن المناقشة التي عقدت مؤخرا لروايتي كانت، بجانب كونها مناقشة، حفلة توقيع عظيمة للرواية. رددت عليهم برد ظننته كافيا، وهو أنها لم تكن حفل توقيع، ولكن على ما يبدو فإن رغبتهم في مجاملتي جعلتهم يصرون على خطأهم التاريخي والمنطقي، التاريخي لأن الحدث كان مناقشة وليس حفل توقيع. هذه حقيقة تاريخية مثلها مثل أن الحملة الفرنسية على مصر تمت عام 1798. والمنطقي لأنني لم أوقع يومها سوى عدد من النسخ المحدودة للأصدقاء فحسب، أي أن الحدث لم يكن توقيعا ناهيك عن أن يكون "حفلا" له. النوايا الطيبة يا أصدقاء لا يجب أن تجعلنا نتجنى على علمين مهمين مثل التاريخ والمنطق.

2

حب القراء للكاتب هو حب منحرف جنسيا، حب قائم على الفيتش بالأساس (يعرف كل من قرأ ثلاثة كتب في حياته أن الفيتش هو الرغبة الجنسية في أشياء ليست هي المواضيع التقليدية للإثارة، وإنما هي آثار فحسب من المحبوب: قدماه، أصابعه أو شراباته أو ملابسه الداخلية). ليس أهم ما في حب القراء للكاتب هو فعل النيك، ليس أهم ما في الكاتب بتاعه، أي قضيبه أو فرجه، أي كتابته، أي المتعة المباشرة من وراه، وإنما أثر بعيد، توقيع صغير خطه قلمه المقدس، ورقة يرتبط فيها اسم القارئ بكاتبه المفضل، الذي كان أخينا القارئ يراه رأي العين في مكان ما، آه والله - وااااااو، وكان شكله عامل ازاي؟ - انا قعدت ربع ساعة متنحة قدامه مش عارفة اتكلم - يا بختك يا ديدييييي أنا كمان بحبه مووت، وآه يا قلبي. حتى الآن لا أفهم أهمية توقيع الكاتب على كتبه إلا بوصفه هكذا. تعلق القراء بتوقيع الكاتب أو بكلماته المؤثرة التي قيلت لهم بشكل شخصي هو تعلق فيتشي بأعضاء، مثل البيضان، لا تنيكهم، ولكنها، على خلافه، تخلو من النجاسة. أشياء مثلها مثل سائر الأعضاء ببساطة، مثل الأظافر أو الغدة الدرقية أو شعر صوابع الرجلين، هل لشعر صوابع الرجلين أهمية في العملية الجنسية؟ بالتأكيد. عند الفيتشيين. وكلنا بمعنى ما فيتشيون.

3

وبشكل ما، فانبهار الناس وهم يقابلون كاتبا أو آخر، مع أن الكتاب مرطرطون على القهاوي، هو انبهار استمنائي، هو انبهار يداخله اليقين بأن الكاتب مظلوم لأنه ليس نجما، وليس مثله كمثل نجم السينما والتليفزيون والكورة. يفكر القارئ الطيب: على الكاتب أن يكون نجما، وحتى يكون نجما لابد أن يكون له جمهور يحبه ويتعقب خطواته، وعلى الجمهور، الذي هو أنا، ألا يصدق أنه يقف بحضرة الكاتب شخصيا، أن ينبهر بحضرة الكاتب ويفشخ بقه شبرين. ولأن الجمهور لا يصدق أنه قابل الكاتب بنفسه، فهو يحتاج إلى ختم من الكاتب، وأي ختم أفضل من توقيع الكاتب على كتابه، وتحويل ذلك التوقيع إلى طقس. مسيرة سرتنية طويلة تتم حتى وصول الجمهور، بيده هو، بدون الإضطرار لتحديد إن كانت اليمنى أو اليسرى، إلى الأورجازم المشتهى للقاء الكاتب النجم.

.................

...................

.....................

ومن وقتها يا قرائي الأعزاء وحفل التوقيع شيء مهم جدا في حياة أي كاتب منا.

Friday, November 02, 2007

تحولات الباضن والمبضون في المسألة الإسلامستية

يوما ما، اصطادني أحد الإخوة وأنا خارج من بيتي. مشي معي قليلا. بعد قليل كسر تردده وفتح الموضوع الذي كان يؤجل فتحه من يومين. قال: يا أخي ابقي خلي اختك اللي كانت معاك من يومين تلبس حجاب. سألت نفسي عن القدرة السحرية التي جعلته لا يرى الصليب الكبير على صدر "أختي". بس دي مش أختي يا عبد الرحمن. دي صاحبتي. يفكر عبد الرحمن قليلا. يصمت قليلا: آه. وماله. ابقي خليها تلبس الحجاب برضه.

بعد سنوات، وكنت قد انفصلت عن الإخوة الملتزمين تماما، بل كنت أتحاشى النظر إليهم أحيانا كي لا اضطر للسلام، واجهني عبد الرحمن نفسه، ولم تكن يعيبه إلا إصراره على تقبيل إخوته الملتزمين من أكتافهم. سألني بوضوح: مبقيتش تيجي الجامع ليه؟ قلت له: بصلي في الشغل. قال لي: انا بصراحة حاسس ان عندك مشاكل نفسية. صح؟

أي رد يمكنه مواجهة هذه الضربة غير المتوقعة!؟


كانت هذه حكاية حول كيف يمكن أن يكون الإخوة الملتزمون مفاجئين وجنونيين أما من يقفون على الطرف المقابل فهم العاجزون قليلو الحيلة والخيال معا.

***

كان لي صديق اسلاميست. متعصب وفاشيست. كان دمه خفيفا ابن الجزمة، وكان مبهرا، أشبه بشخصيات عباس العبد، وكان بيتبضن، كما يجدر بالناس على شاكلته، من كل كلام له علاقة بحرية التعبير وحرية الفكر وحرية الاعتقاد وحرية الأي حاجة، ومعه حق طبعا.

***

نخش في الموضوع. دائما أبدا، مشكلة هؤلاء الذين يؤمنون بحرية الأي حاجة، الفكر والتعبير والاعتقاد، أنهم فعلا بضينون. خطوط دفاعهم مهما زادت لن تخرج عن ثلاثة او اربعة، على حسب تدرجهم الوظيفي في مرتبة المدافعين عن الحرية. الأولى: هو مسلم واهو الدليل من كتاباته ولا تقرؤوا النصوص مقتطعة من سياقها يا ولاد الوسخة يا تكفيريين يا ظلاميين. التانية: من له الحق ان يفتش في الضمائر؟ الحجة التالتة والأكثر جذرية: من حق اي حد يفكر زي ما هو عاوز.

***

ماكينة دعاية عملاقة تدور حول ثلاث حجج دفاعية ليس اكثر، تتكرر بالاف الاشكال وفي آلاف المواقف كل يوم. كيف يمكن ألا تكون هذه ماكينة مخصوصة للبضن على أناس يملكون خيالا إيروتيكيا فذا يمكنهم من تخيل الخيارة قضيبا "هل مازال أحد يذكر التسعينيات؟"، والسافرة الوجه يتخيلونها مرتدية البيكيني ليطلعوا دين ابوها، أو يعيبون على غير الملتزمين ليس بعدهم عن الله وإنما كونهم مرضي نفسيين. يستحق التكفيريون احترام الجميع لخيالهم الرهيب، خيالهم الذي لا تقف أمامه عوائق المسافة ولا اللون ولا الدين بالأساس. ليس هناك من هو من اكثر إملالا من شخص يقول فكرة صحيحة. وليس هناك من هو أكثر إبهارا من شخص يقول أفكارا جنونية بلا رابط بينها. لنتخيل دعوى تطالب بقتل كل أطفال الأقباط الذكور أو قطع قضبانهم الصغيرة، أو لنتخيل الوقع الساحر لفكرة حرق اليهود في أفران الغاز، أو فكرة الفسطاطين العظيمة، فسطاطي الكفر والإيمان، وداري الحرب والسلام. نحن بإزاء خيال دموي ابن حرام لا تسعه أرض ولا سماء، وفي المقابل فلا نملك لمواجهته إلا أن نكرر هذا صح وهذا غلط! أليس هذا عيبا بحق تاريخ الجنون في العصر الحديث.

***

نصيحة: عندما يقول لك شخص أنت مرتد ووجب قتلك، فلا تجادله. بمجادلته تهين خياله الروائي. زايد عليه. قل له ووجب علينا قتل كل من يقبلون الآخرين من أكتافهم. هو ينتقم منك لانك جرحت مشاعره الدينية، انتقم منه لأن شكله لا يعجبك، لأنه مقرف بالنسبة لك، لأنك لا تحب رائحة المسك الذي يتعطر به، ولأن منظر السواك في جيبه يصيبك في مقتل. عبث بعبث والبادي دوما هو الأكثر ابداعا.

Friday, October 26, 2007

أدهم وسر العروبة المحمولة


"اول طريق الهرب/ شربوا العطش و الصهد/ وف عز عز التعب/ لقيوا عرب عن بعد/ وقربوا قربوا/ يا عطشانين اشربوا/ دانتو عرب واحنا عرب". هكذا هرب أدهم الشرقاوي من سجنه يوما ما، والعهدة على عبد الحليم حافظ ومرسي جميل عزيز. والعهدة عليهما أيضا في أن العروبة تظهر بلسما وروحا طيبة بين الإخوة في الشدائد.

***

المصريين بشكل عام يطلقون على البدو أو قاطني الصحراء اسم العرب. وبسهولة نستطيع تخيل أن الروح القومية الثورية في الستينيات كانت بتتبضن من هذه التسمية، لأنها ترى أن كل ما بين المحيط للخليج هم عرب، حتى الثعالب في أوكارها والطيور في أقنانها. وبالتالي فقد تولى السيد جميل عزيز، في محاولته لتطويع الملحمة لصالحه عندما كتب كلماتها لعبد الحليم حافظ، مهمة بستفة الوعي المصري كله، حينما جعل واحدا من العرب يقول لأدهم الفلاح إنتو عرب واحنا عرب. كان يهدم تراثا عفويا يسمي قاطني الصحراء بالعرب، مما يعني، بداهة، أن غيرهم مش عرب.

ولكن، يظل السؤال قائما: إذا كان أدهم ورفاقه عربا، زيهم زي الناس الذين لاقوهم في رحلة هربهم، فما معنى تخصيص الناس اللي لاقوهم باسم العرب في عبارة "لقيوا عرب عن بعد"؟ وليه مثلا لم يتم وصف ادهم ورفاقه قبل هذا الموضع بانهم عرب؟ ولماذا حضرت عروبتهم فقط لتواجه عروبة البدو، العرب الاصليين، العرب العاربة، في مقابل العرب المستعربة اللي هما أدهم وصحابه، الذين أصبحوا فجأة عربا من المحيط الثائر إلى الخليج الهادر، حسب ما أراده قوميو الستينيات الجدد؟ لا تنسوا أن عم أدهم نفسه كان هو من شهد زورا ضده، مع أنه وفقا لذات المنطق، هما الاتنين عرب. لا تظهر الروح العربية في الأغنية إلا لتآخي بين اثنين، العاربة والمستعربة، لترد على دعاوى الفتنة المفرقة بين الجنسين، ولتثبت أن مصر والزودان هيتة واهد، في ملحمة هي أصلا انتصار لشرقاوية بطلها، وليس لمصريته حتى ناهيك عن عروبته.

***

معلومة لا أعرف مدى أهميتها: في يوم من الايام، يمكن قبل حرب العراق واحتلالها، وكانت وقتها كوريا الشمالية تثير العالم ببرنامجها النووي وامريكا اللاتينية تشاغب كالعادة، والدول العربية كانت متواطئة ضد العراق ومع الاحتلال، ظهرت صيحة في المظاهرات ضد الحرب: "عاشت كوريا حرة عربية. عاشت كوبا حرة عربية. وانتم جتكو خيبة قوية." بمعنى اخر: انه فورا - وبشكل ساخر- تم منح العروبة هدية للدول المشاغبة، اللي هي برة المحيط العربي جغرافيا، فقط بفضل تحديها لأمريكا، ومنحت الخيبة القوية للعرب "العاربة"، يعني الأصليين، مع سلب عروبتهم عنهم بالبداهة ، لأنهم تواطئوا مع أمريكا ضد اختهم العربية.

..........

............

...............

وهذا يا سادتي الأفاضل كان مثالا واحدا على ان العروبة هي متاع بورتابل، نقال أو محمول، يمكن تحريكه من مكان لمكان بسهولة وبراحة تامة. هو أكثر أمانا من أي شيء آخر لا يسبب مشاكل في نقله ولا يجرح الباركيه.

Friday, October 19, 2007

نعناع وعيون اللغة العربية


أرسلت لي عناية تطلب مني أن أخبرها بأخباري، ببساطة يعني.

كتبت لها على مساحة الإيميل الفارغة "عينيا يا عناية". ولم أرسل الإيميل. أصابني الاكتئاب فجأة. لسبب ما، داهمني خاطر بأن شخصا لا يعرف العربية يقرأ الإيميل. أو يسمعني وأنا أردد "عينيا يا عناية"، ويفكر ساعتها بشكل حتمي في أن العربية لا تحوي إلا أصوات ثلاثة، هي أصوات عينيا يا عناية، العين والنون والياء. وهكذا، مدفوعا بالرغبة في الحفاظ على صورة اللغة العربية في عيون الغرب، كنت لأتراجع عن إرسال الإيميل، لولا تذكري أمر آخر.

منذ ثماني سنوات كنت قد كتبت قصة عن لغة لا تحوي إلا كلمة واحدة تتكرر الواحدة إثر قرينتها، بلا أي اختلاف في تشكيلها أو طريقة نبر أحرفها، لم تكن إلا كلمة مفردة، هي HAHY، تعبر عن جميع معاني اللغة اللانهائية. هكذا إذن، بما أن الكلمة تتكرر بشكل لا نهائي، وهي وحدها تعبر عن جميع معاني اللغة، فلم يكن إذن من معنى جديد دخيل يؤرق اللغة أو يثبت عجزها. لم تكن إلا مرونة اللغة اللامحدودة بكلمتها التي لا تحوي غيرها. فكرت، إزاء إيميل عناية، أنه كلما ازداد فقر مفردات اللغة زاد ثراء دلالاتها، وهكذا لم تكن "عينيا يا عناية" عارا على اللغة العربية، العكس تماما، وهكذا كنت لأعود وأضغط Send، لولا فكرة قاتمة حلت علي من جديد:

"عينيا يا عناية" ليست كلمة واحدة كما كان في القصة القديمة، انها عبارة من كلمتين وحرف نداء، تقترب أطرافها من بعضها الى حد الالتصاق، انها "عي. نا. يا. - يا – عي. نا. يا."، مع اختلافات بسيطة، التشديد والنبر وما الى ذلك، وهذه الاختلافات هي ما تجعل من قصتي القديمة وواقعة عناية الحديثة محض أمرين مختلفين.

يضاف إلى هذا أن الأجنبي أجنبي، ومعنى أجنبيته أنه لا يعرف العربية، وهذا يعني أنه سيسمع العبارة فحسب، لن يفهمها، والمفاجأة المؤسفة أنه قد لن يميز أصلا بين مقاطعها، بما يعني أنه قد يتصورها كلمة واحدة، سبعة مقاطع تكرر بشكل ببغائي العين والنون والياء، كأنك بالضبط تكرر كلمة "عين" سبع مرات، عينعينعينعينعينعينعين، أو تكرر كلمة نعناع ثلاث مرات ونصف، نعناعنعناعنعناعنع، ومطلوب من أي ابن وسخة أن يصدق أنك تقول كلمة واحدة لم تغادرها الى التي تليها. إذن، هكذا سيقول الأجنبي، الشعب العربي بيشتغلنا، لا مفر من الوصول الى هذه النتيجة النهائية.

...........

...............

...................

لكل هذه الأسباب لم أجد ما أقوله لعناية عندما سألتني عن أخباري

Friday, October 12, 2007

حول الفرخة المقدسة لحبنا

يحب المصريون الفراخ، هذا لا جدال فيه، مطبوخة، مسلوقة، مشوية أو محمرة بالبصل ومن غيره. يفضلونها على اللحم دائما. اللحم البقري هو النزاهة أما الفراخ فهي تنزيه النزاهة. ويسمى فرخة بكشك من عظم المغنم من وراءه أو كان محبوبا كمحبة الناس للفرخة بالكشك.

***

ما أريد قوله هو أنه على العكس، في ميدان النحنحة والرومانتكيات، لم ينظر أحد إلى الفراخ بوصفها أطرافا مناسبة لمطارحة الغرام، وعلى قدر ما أشبعوا العصافير والبلابل واليمام والحمام بتشبيهاتهم، ولهذا حديث، فإن الدجاج ظل بعيدا ونائيا عن أغاني الحب. للعصافير غرامياتها وللفراخ موائدنا العمرانة. كانت هذه هي التفرقة التي وضعت كلا من اطراف المعادلة في مكانه، العصافير والفراخ، الغرام والموائد العمرانة.

***

ليس الغرض من إنشاء هذه المدونة بالتأكيد هو تحطيم الصور الرومانسية لمرتاديها الأفاضل، ولكن القافية تحكم أحيانا. يمكننا أن نتصور مطربا او مطربة كبيرين، وليكن صباح فخري أو فيروز، وقد أحلوا دجاجا محل عصافيرهم وبلابلهم التي تناغي أغصان الفل. لن يكون هذا أكثر من أمر مرح، بارودي ظريف لأغنية أصلية غير موجودة، يؤديه هنيدي أو سمير غانم. بصعوبة يتذكر المرء "فرخة حبنا"، ويتذكر أيضا انفجارات الضحك التي تصاحب هذه الجملة. لنراجع معا تصنيفات الأشياء: العصفور هو المحب، البلبل هو المغني العلماني، الكروان هو المغني الديني أو ذاكر الله ومداح رسوله، اليمامة هي بنت ثانوي التي لما تنضج بعد والحمامة هي المزة التي نضجت واستوت وصار صدرها يملا العين، أما البطة فهي، كما هو معروف، تدليع فاطمة، ويقال لها أيضا بطوط. في كل هذا لم ينحصر كائن بين الشوك والسكاكين قدر الفراخ، الموضوع الأساسي لحلقتنا اليوم.

***

استطاعت لعبة كمبيوتر مرة، وعن طريق نفي أي صفة رومانسية ممكنة عن الدجاج، أن تحولها، بالعكس، إلى عنصر شرير. الفراخ تغزو المجرة. في نهاية اللعبة تظهر الدجاجة الأم، بشعة،عنيدة، لا يتأثر جلدها السميك بأشعة الليزر التي لنا، ومنقارها العملاق ونظرتها القاسية كلها تقطع بأننا إزاء وحش كوحوش الكارتون الياباني. الفرخة هنا اسمها الدجاجة الأم، كيف يمكن لفرخة، وأم أيضا، مثل تلك أن تكون طرفا في مشهد رومانسي صنع لعصفورين يتناجيان؟ في اعتقادي الشخصي أنه لا أحد يقرن الدجاج بمشاعرنا المقدسة والطاهرة إلا لو كان هازلا أو غير فاهم، أو لم يقرأ هذه التدوينة بطبيعة الحال.

***

إليكم أغنية "نحنا دجاجات الحب نحنا ديوك الأحلام" لفيروز والأخوين رحباني

Friday, October 05, 2007

انفراد: آخر كفار قريش يتحدث

في إطار انفراداتها المتتالية، تفرد المدونة هذه المرة صفحاتها لتقديم حوار صحفي مع أحد كفار قريش ممن عاصروا دخول الإسلام وانتشاره. يصرح مصدرنا، والذي رفض ذكر اسمه تماما أو حتى ملابسات اللقاء، بعدد من الحقائق كفيلة بتغيير نظرتنا لتاريخ شبه الجزيرة العربية في القرن السادس وأن تكون ردا على من يحاولون التشكيك بأن الكفار كفار أما المسلمون، بطبيعة الحال، فهم المسلمون

.................

لا. يا باشا هو احنا كنا قاعدين نتفرج؟ والله شوف. لا يكلف الله نفسا الا وسعها، واحنا عملنا اللي نقدر عليه علشان نمنع انتشار الإسلام، مفيش حد بقى ييجي يقولنا كنتو مقصرين وبتاع.

.................

كنا بنقعد في قهوة جنب الكعبة ندرس الموضوع. اهم حاجة كنا عاوزين نعرف هما ازاي بيلموا الناس لدين الاسلام، دا كان استقطاب رسمي. قعدنا نتكلم عن الحكاية دي بتاع سنتين، وهو كان في يثرب لمؤاخذة. ماكانش موجود يعني.

.................

اه.. عندنا خطط لو بس كات اتطبقت كان الكفر هيسود في الدنيا كلها. احنا كان معانا عيال جامدة ودماغها شغالة. سيبك من الناس ابو جهل وابو لهب وبتاع. الشغل الاصلي كان عندنا احنا.

.................

دول كانوا زي ما تقول كدا نجوم، يعني محدش يعرف يكلمهم وفاكرين ان هما اللي ممشيين ام البشرية ولولاهم ماكانش هيبقى فيه كفر في العالم، هما كانوا فرحانين ان اساميهم اتذكرت في القرآن وبتاع، بس وحياة المصحف الشريف ان العالم دي عالم رمة وزبالة كفار قريش وان الناس اللي بجد هما الناس بتوعنا احنا.

.................

إديني إنت عقلك يا أستاذ. دا راجل معاه ربنا واحنا حيالّه ناس كفار، يعني واسطتنا في الدنيا شوية الهة لا تضر ولا تنفع، يعني بالعقل، مين فينا اللي ربنا هينصره؟ ابو اله حقيقي طبعا. المسألة واسطة يعني. انا شايف ان غلطتنا اننا ما اتفقناش الاول مع الناس بتوع الاسلام على لعب نضيف، يعني من غير آلهة ومعجزات وحوارات من دي. لو دا حصل، كنت شوف بقى يا برنس احنا ممكن نعمل ايه. كات كل حاجة هتتغير يا معلم.

.................

احنا كنا بنعرف ان الراجل من بتوعنا دخل الاسلام لما كنا بنشوف وشه باسم الله ما شاء الله نوّر وبقى يلبس ابيض وبقى يتكلم كلام كله إيمان وموعظة يخليك عاوز تعيط.

.................

أه طبعا. اليهود والنصارى كانوا حبايبنا. ما هما دول اللي ربنا سبحانه وتعالى سماهم المنافقين، أمال الكفار، اللي هما احنا، كانوا بيحبوهم ليه؟

.................

أمال إيه يا أستاذ؟ يعني انت فكرك محمد رسول الله جا يقول لنا خشوا في الاسلام كل الناس خشت. عيب يا باشا دانت راجل متعلم. احنا كان أهم حاجة مثلا عندنا الشرك بالله الواحد الأحد وعبادة الاصنام، تاني حاجة النسوان والخمرة، تالت حاجة، ان الناس بتوع الاسلام كانوا نحانيح، يقعدوا يقولوا العدل واحنا كنا نحب الظلم زي عينينا، رابع حاجة ان شكلنا كان يقرف وحواجبنا تخينة ولمؤاخذة الراجل مننا لما يضحك تحس انك عاوز ترجع. دي كات حاجات احنا استحالة نتنازل عنها ولو دبحونا دبح.

Friday, September 28, 2007

تأملات رمضانية عن العالم السفلي أو صورة الشيطان في أحلام نائل الطوخي


منذ يومين، أي في العمق الرمضاني، حلمت بكابوس لا أذكره الآن. صحوت. بقيت، في عادة لم أستطع التخلي عنها حتى الآن، أتف على اليسار ثلاثا وأردد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وأنا ألهث مرعوبا، رحت في النوم وأنا أردد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. التفت لأجد رجلا جميل الهيئة بجانبي. الرجل أخذ يردد: أعوذ بالله من الشيطان. كداهو! تأملوا غرابة جرس العبارة بعد أن تخلت عن رجيمها. نظرت إليه بدهشة. سألته عن الرجيم وأين ذهبت. نظر لي وقال بهدوء، عيناه كانتا مبتسمتين وصوته كان صافيا ونورانيا: هو انا عمري اقدر اشتم نفسي يا ابني!؟

***

كنت غرا غريرا في الكويت، سنتين أو ثلاثا، والحلم الذي تعاودني ذكراه من تلك الأيام هو الآتي بالصلا عالنبي: أنا مع شخص ما، شخص حنون وطيب، خيِر بلا منازع. قرب نهاية الحلم فقط تلمع عيناه بنظرة ما. نظرة شر عميق، حقد، نظرة أتية من عمق العالم السفلي، أعرف منها على الفور أنه ليس ذاك الشخص الذي تصورته، أعرف أنه كائن شرير يسعى لإيذائي، لنكن مباشرين ونقول أنه الشيطان. فور إدراكي لهذا ينتهي الحلم، ينتهي بالمفاجأة الصاعقة، يتحول الرجل، مع ضحكة مدوية، إلى شيطان كامل، ينتهي الحلم هنا، أصحو من فرط الرعب.

في الحلم شخص كاسر عين التاني، كسرت أنا عين الشيطان إذ عرفت حقيقته، كسرت عينه لكن عينه لم يتم كسرها، بالعكس، بدا مبتهجا أكثر بمعرفتي لحقيقته، لأنها هي ما ستسوغ ضحكته العالية التالية، بشكل ما مختلف، وأكثر تعقيدا، فهو من كسر عيني بمعرفتي لحقيقته. كثيرا ما تمنيت لو انتهى الحلم قبل أن تكشف عنه تلك النظرة.

***

تذكرون جميعا الشخص الذي قابل رجلا بساقي معيز فهام على وجهه حتى لمح في البعيد شيخا مهيبا احتضنه وأواه وسأله عما به فلما حكي له الشخص كشف الشيخ عن ساقي المعيز التي له وقال زي دي يابني؟ في النهاية، دعونا نقول أن غرض الشيطان أو العفريت من الدنيا إيه غير ساعة حظ. غير شوية ضحك على البني أدمين. وعلى كثرة ما سمعت، لم أسمع عن عفاريت، أي جن وشياطين، قتلوا آدميين أو أذوهم، ونحن طبعا لا نتحدث عن عفاريت الموتى التي تعود لتنتقم وتطلع دين اللي قتلوها. إننا نتحدث عن الكائنات السفلية المأصلة. التي لم تتلوث يوما بأن كانت بشرا.

من قصص الجن الشعبية لا يبدو أن للجن غرضا غير الشو، غير الكشف عن هويتها أمام الإنسان والاستمتاع برد فعله ثم الاختفاء، والبني أدمين علوق طبعا، يشيبون أو يموتون أو يفقدون عقولهم بدون مبررات منطقية. تذكرون يا أصحاب حكاية الذي تزوج جنية فعاهدها على أن تعيش كإنسانة وألا تستخدم أيا من قدراتها السحرية أثناء فترة زواجهما الطويل، فلما أرادا النوم يوما قالت له طفي النور فقال له طفيه انتي انا تعبان. فما كان منها إلا أن مدت يدها التي استطالت جدا حتى آخر الغرفة فانطفأ النور ومات الزوج رعبا من حينه. سؤالي الذي أطرحه هو: لماذا مات؟ هل كان هناك من أذاه؟ والاجابة لا تخرج عن اثنين: هو يتدلع أو يتعولق.

***

وختاما، تروى عن طارق إمام النكتة التالية:

عفريت يسأل عفريتا زميلا: هو الإنسان كائن حقيقي ولا خرافة. فما يكون من العفريت الزميل إلا أن يرد عليه وقد فكر طويلا: يا أخي كائن حقيقي. الإنسان دا مذكور في القرآن.

Friday, September 21, 2007

الذي لم يحدث زمان

منذ آلاف السنين، منذ عهد الطوفان وما بعده بقليل، ويقول المتظارفون، منذ عهد سيدنا خشبة أو سيدنا كتكوت، حدث أمر جلل، فاق في ضخامته حدث الطوفان وخلق الإنسان. ونعني هنا: عدم تفرع اللغة السامية الأولى إلى لغات مختلفة، كونه ظلت هناك لغة واحدة تجمع بابل بآرام وكنعان بالجزيرة العربية، أي، عدم ظهور اللغات العربية ولا العبرية ولا السريانية والأرامية والكنعانية والأكادية. الآن نعرف، نحن المنحدرون من نسل سام بن نوح، أننا نتحدث اللغة السامية بلهجة واحدة بلا أي اختلاف بين قوم وقوم آخرين. كان هذا 11/ 9 الأزمنة القديمة.

***

نتذكر جميعا أن العربية لم تصبح أبدا هي لغة القرآن، وهذا شيء مهم، لأنه لم يكن هناك ما يسمى لغة عربية أصلا. كذلك اليهودية لم ترتبط أبدا في أي من مراحلها بالعبرية، لأنه برضه مفيش حاجة اسمها عبري. نتذكر أن كلا من القرآن والتوراة وشروحهما قد كتبت جميعا بلغتنا السامية الواحدة التي ليس لنا غيرها. وحدها المسيحية ارتبطت بنا، كساميين، ولكن باليونان أيضا، وحدها ظلت مزدوجة الانتماء. وحدها ذكرتنا أن هناك آخرين، وفتحت علينا أبواب لها أول وليس لها آخر.

لنتذكر سويا كيف اعتمدت الغزوات العربية على هذه النقطة، فهي لم تأت لضم المنطقة تحت لواء الإسلام فحسب، وإنما لاستعادتها إلى مملكة سام، لضم الإخوة كلهم في أسرة واحدة يحكمها خليفة واحد. أي أن بطل الإسلام واليهودية الثقافي لم يكن هو إبراهيم، وإنما سام بلا نقاش، وتطلب هذا شحذا لذاكرة العالم، لكي يتمكن من استعادة السيرة الذاتية الخاصة بابن نوح. نعرف كيف نمت قصص كثيرة حوله وحول زيجاته المختلفة لكي تبرر لنا اختلاف البشر برغم لسانهم الواحد.

***

كانت وطأة سبي كل من نبوخذ نصر وبختنصر لليهود لا تذكر عليهم. كان اليهود يستمتعون في وطنهم الثاني، أشور وبابل، لدرجة أن أحدا منهم لم يغن أبدا قائلا: "لتنسني يميني إن نسيتك يا قدس"، أو: "على ضفاف نهر بابل جلست وبكيت"، لأنه لم يكن هناك محل للبكاء في الوطن السامي السعيد، كما أن القدس وبابل كانوا هيتة واهد، مش ستين هيتة. كان أولى بالحرب من لا يفهمون كلامنا ولا نفهم كلامهم: ونعني هنا فارس، التي كانت ليمونة في بلد قرفانة، شوكة في حلق وطن غرب أسيوي جميل يفهم بعضه البعض على بعد ألاف الأميال بلا حاجة إلى مترجم واحد. فقط هدم الهيكل على يد تيتوس الروماني في القرن الأول كان هو العامل الرئيسي في تشتت طائفة من الساميين تدين باليهودية في بلاد العالم.

***

وفي العصور الحديثة أيضا، نذكر أن الدفاع عن الإسلام أبدا لم يقم على أكتاف القوميين، المؤمنين بالعروبة. أصبح المدافعون عن الإسلام إسلاميين، ببساطة يعني، وليس ميكسا قوميا يساريا إسلاميستيا. وفي نفس الوقت فالعداء للصهيونية ولد خافتا وهينا وظريفا جدا، فاليهود، القادمون الجدد من أوروبا، يحاولون الحديث بلغتنا، التي نتحدثها جميعا منذ آلاف السنين في هذا المكان. نظر الكثيرون لمحاولات اليهود الأوروبيين الفاشلة نطق حرفي الحاء والعين بسخرية، ولكنهم أيضا برموا شنباتهم بفخر وهم يتذكرون فضل لغتهم الواحدة على سائر لغات العالم، وهم يستقبلون إخوتهم في الدم العائدين إلى أحضانهم بعد أن برموا بلغات أوروبية ليست منهم ولا هم منها. نتذكر جميعا التيارات القومية المصرية المتطرفة في الستينيات التي نادت بالإخوة الأبدية بين الإقليم الشمالي، إسرائيل، والجنوبي، مصر، ومحاولات الوحدة التي أقامتها بين القطرين والتي انتهت بفشل ذريع كان له أكبر الأثر على انهيار مفهوم القومية السامية. كانت هذه الوحدة أحد أهم أسباب اتهام الإخوان المسلمين للأحزاب القومية بالتخلي عن ثوابت الأمة وتخوينها لدرجة أن شاع في خطابهم شعار يهتف به شبابهم بشكل إنشادي: إخوة في الدم آه، إخوة في اللغة آه، لكن في الدين لأ وألف لأ. اليهود أعداء الإسلام. أو: كلامنا واحد وشكلنا واحد، لكن دينا عمره ما كان واحد، سام مش هو الإسلام.

حافظوا على ذاكرتكم يا سادة. فهي هويتكم التي لا غنى عنها