Friday, May 09, 2008

الله عليك يا حاج: التفسير السكسو - لاهوتي للأحداث

"اللبنانيين دا شعب كله فساد" هكذا قال الحاج علي وهو يناولني السيجارة. لم أكن أتوقع بأي شكل من الأشكال أن ينتهي الحوار بهذه الجملة، أي بجملته الأولى بالتحديد. كان لابد من التعقيب بأي شيء، أخرجت ولاعتي وولعت للحاج ثم انتقلت إلى سيجارتي:

"بس دول ناس غلابة يا حاج علي؟"

"غلابة ولا ماغلاباش. دا شعب علوق".

صورة حسن نصر الله كانت معلقة في الدكان. نظرت إليها ثم إليه:

"طب ما حسن نصر الله لبناني زيهم."

"لا يا فندم. دا بقى بالذات ماتحسهوش لبناني. تحسه مصري. أكن أمه زانية فيه. جايباه من دكر مصري. م الشرابية بالأمارة. هع هععععععععع."

"يعني الراجل الطيب دا ابن زانية؟"

"وماله مفيش مشاكل. ربنا سبحانه وتعالى قالك يخلق من ضهر العالم فاسد ومن ضهر الفاسد عالم. صح انا ولا غلط؟ يعني دلوقتي العلماء دول مش ناس منزهين. ممكن يكونوا ولاد وسخة برضه."

"الله عليك يا حاج".

"اه بس دا مش معناه انهم وحشين ولا قللات الاصل. إلا دا. العلماء دولا أحسن ناس ف الدنيا. ومن حقهم علينا اننا نسمع كلامهم، ومن حقهم علينا الشورى والمشورة. وربنا بيحبهم. علشان كدا ربنا قالك اذا جاء نصر الله والفتح. الفتح دا برضك شيخ م المشايخ الجامدين اوي. بيقولك هيظهر ف اخر الزمان وعلى رأسه قنديل من الذهب وبعض الأئمة قالوا قنديلان. دا الحديث بيقول كدا. هيمشي في الشارع وزبه واقف كدا جايب بحر الظلمات، علشان ينيك الكفار. زيه زي الشيخ حسن نصر الله. بتاعه برقابي اللبنانيين كلهم."

(أغمز) "الله. وانت عرفت منين بقى دلوقت يا عمنا؟"

"امشي يا متناك. انا اعرفهم يا معرص. رجالة على حق. شوف يا باشمهندس. الراجل ناك اليهود وهما وقفوا زي الخولات. من حقه بقى ينيكهم هما، ما اذا كانوا خولات، يعني هيتكيفوا من زبه. مش انا بتكلم صح، ولا غلط؟"

"بس دا راجل ظالم. دا قال اللي هيمد ايده هقطعهاله."

"يا فندم يقطع له بتاعه لمؤاخذة كمان. دا راجل جدع. بيحامي عن رجالته. امال هيسيب الناس تدافع له عنهم!؟"

"يعني انت بذمتك يرضيك الدنيا تولع والناس تضرب ف بعض علشان الحكومة قفلت شوية تليفونات؟"

"كسك يا انشراح. يا استاذ يولع في ديك ام البشرية كلها مفيش مشاكل دا حقه. دي حالة إنسانية حضرتك. يعني حضرتك تخيل نفسك لمؤاخذة المدام هتولد وانت جاي تتصل بالتليفون قالولك دا الخط اتقطع، وبعدين انت ماعاكش رصيد على الموبايل. فلا قدر الله معرفتش توصل للدكتور والمدام قامت اتوفت، والجنين مات طبعا. وبعدين جاي زعلان على كام واحد ماتوا؟ كله الا قطع التليفون يا عم الحاج، دا زي قطع العيش."

"طب ما انا ممكن انزل اتكلم بخمسة وسبعين قرش من اي دكان؟"

"قفل. الدكان قفل. مش بتحصل؟ افرض معايا الدكان قفل. هتحط ايدك على خدك ولا هتروح مولع ف البلد كلها."

"لا. ممكن ابعت سلفني شكرا. اجيب رصيد واتصل."

"دا لو انت فودافون يا معلم. افرض انك موبينيل. قل لي بقى هتتصرف ازاي؟ لازم ساعتها تعمل ثورة."

"يعني كل اللي عملوا ثورة كانوا موبينيل".

"مش لازم. كان فيه منهم اتصالات كمان يا برنس. أمال انت فاكر ايه؟"

(أفكر قليلا) "الله عليك يا حاج."

Friday, May 02, 2008

إشكاليات وقضايا الترجمة: أنا نموذجا

حلمت الليلة بأني أترجم مقالا، عن العبرية كنت أترجم. فجأة اكتشف أن كل الكلمات لا أعرفها. ليس فقط أنني لا أعرفها، أو ليس أنني لا أعرفها بالأساس، فأنا كنت أعرفها كلها، وإنما ليس لأية كلمة علاقة بالكلمة التي تليها، والتي تسبقها. كل كلمة كانت جزيرة منفصلة، والجزر كانت بلا بحر، كل معنى كان يحوم في الفراغ.

أنا، كمترجم، شخص خائف. خائف من اللغة التي أنقل منها. أنا، كمترجم، شخص حكم علي بأن أظل دوما بين لغتين، لغة أهلي ولغة من هم ليسوا أهلي، وأن أتحرك بين اللغتين في نفس اللحظة، أتحرك بين هويتين، بين ثقافتين وذاكرتين. أنا عميل مزدوج، جاسوس بلا انتماء. أعيش بجسدي في واقع أنقل إليه. وبوعيي، في لحظة الترجمة، أعيش في واقع أنقل عنه، والواقع الذي أنقل عنه بعيد بعيد، واقع غريب عني، وما أنا إلا منتحل، دخيل، جاثوث، أدعي فهمه، أدعي أنني كذلك، ولكنني لست كذلك، وحياة النبي لست كذلك.

اللغة التي أترجم عنها، وهي هنا العبرية، تنمو بعيدا عني، تغير نفسها وتتلون وتنقص وتزيد وتتنطط وتتعفرت وتترقص، كداهو كداهو كداهو، وكل هذا من وراء ظهري. من هنا أصل إلى استنتاجي المدوي: حلمي يا إخوان لم يكن حلما، ولا رؤيا، ولا كابوس. كان هذا هو خوفي الأساسي طول أيام عملي مترجما، وأنا عندما أعمل مترجما أكون صاحي طبعا، مش نايم، كما أنني لست دايدريمرا بالفطرة. خوف منطقي تماما: شيء ما ينمو بعيدا عني، لا تراه عيني، ما الذي يدفعه ليكون كما أتوقع، كيف أتمكن من السيطرة على ما لا أراه أصلا، وإنما أتلصص عليه فحسب بين الحين والآخر؟ خوفي من اللغة الأجنبية، هو في نفس الوقت غيظ من نفسي، لأنها لا تستطيع رؤية كل شيء، هو خوف من الأشياء البعيدة، وقديما تحدث شخص اسمه رودولف أوتو عن شيء مثل هذا، واخترع بهذه المناسبة كلمة اسمها النومينوز، أو أنه أعاد اكتشافها من تراب اللاتين، وترابهم كثيرا ما يكون عامرا بالأطايب.

قراء المدونة الكرام يعرفون العفاريت طبعا. مدونكم المحبوب أيضا يعرفها، وعندما كان مدونكم صغيرا كان يعرفها، وكان يخاف منها. كان يخاف من اختفاء العفريت أو ظهوره، ولكنه، ورغما عنه والله، كان يضحك إذا تخيل العفريت يظهر ويختفي أمامه. ما كان يميته في جلده رعبا عن حق ربنا، أن يرمش بعينه، أن يغمض ويفتح في ثانية ليجده العفريت قد ظهر. الأشياء التي تحدث بعيدا عن أعيننا هي الأكثر إخافة. لم أخف يوما أن أفتح الجرنان العربي فلا أفهمه، كان خوفي دوما من اللغة الأخرى. لكل مرؤوس رئيس، والرئيس الأكثر هيبة هو الأجدر بالطاعة والخوف، واللغة الأخرى هي الأكثر هيبة من لغتي التي لا تغفل عيني عنها لحظة. نعرف جميعا أن الشيخ البعيد سره دوما باتع.

المترجم محكوم بحمل صخرة على كاهله والصعود بها إلى قمة الجبل ثم دحرجتها من فوقه لينزل ثم يعاود حملها. لن يتخلص المترجم من سطوة الشيخ البعيد عليه، لن يتخلص من كابوسه القديم. وسيظل يحلم بترويض الوحش المفترس (العبرية)، وبتحويله إلى قط لذيذ ومطيع (العربية)، ولكن هذا لن يحدث، أو على الأقل، ليست هناك ضمانات كثيرة بأن يحدث. كثير من قراء المدونة الكرام يذكرون قصة محمد الحلو مدرب الأسود، والكثيرون لا يذكرونها أيضا. ياريت بقى اللي فاكرها يحكيها للي مش فاكرها.