Friday, December 26, 2008

أحمد وائل بعد ليسبو: الآن انكسرت الدائرة

  • روايتي صالحة لكل زمان ومكان

  • يكشف وقائع كتابة "فتاة الليل الحزين" ويعلن: لم أقدم تنازلات

حوار: نائل الطوخي (بمشاركة شرفية مهمة من أسامة فاروق)

وائل يصدر رواية.. هذا خبر عادي، لا يثير الدهشة، الرواية هي تحصيل حاصل بالنسبة لوائل الذي عرفناه جميعا مبدعا في مقالاته الصحفية ونصوصه السردية الفريدة التي ينظمها على صفحات الفيسبوك. وبرغم عادية الخبر، فإن واجبي كان يحتم عليّ محاورته بخصوص الرواية، لأنه قد قام بمحاورتي منذ أيام، مع الزميل أحمد ناجي، بمناسبة بلوغي الثلاثين عاما. عندما طرحت الفكرة على الزميل أسامة فاروق بادرني بترحيبه وأخبرني أنه هكذا سوف نتمكن من تقديم درس للأجيال الجديدة حول الوفاء لمن سبق وقدموا لنا جميلا، وأهمية رد المعروف وعدم إنكاره، وضرورة تنمية الحس الإنساني في قلوبنا. وكلي أمل في أن أتمكن من رد التحية لأحمد ناجي قريبا، عبر مقال أكتبه عن روايته أو إشادة بعمله الروائي والصحفي في أحد المنابر الثقافية المهمة الموجودة الآن. وإلى نص الحوار:

  • نبدأ من البداية: لماذا ليسبو؟ ولماذا في هذا التوقيت بالتحديد؟
  • (يرتكن على الفوتيه الفاخر بركن كبار الزوار في مكتبه بالعمل) هذا سؤال صعب ويعيدني لفترات بعيدة جدا ف الزمن. قراءتي الاولى وكتابتي الاولى. لقد عشت عمري أكتب ولا انشر. كاتب الادراج، كاتب الخفافيش، أيا كان المسمى. كنت أستمتع ولا أريد لأحد غيري يستمتع. ليسبو ألحت عليا. ضغطت عليا. دفعتني دفعتني (ليس خطئا مطبعيا. يكررها فعلا). هل تسرعت؟ هل خسرت كتير عندما تخطيت الدايرة المغلقة؟ هذا سؤال جدير بالاجابة. على العموم، وللإجابة علي سؤالك، لابد أن أحكى لك حكاية: كنت أمر بشارع التحرير بالدقى فى الليل. بجوار مبنى "هيرمس" التابع لزياد بهاء الدين، لمحت على جدار جملة لن أنساها طول عمرى، كانت الجملة كالآتى: "بحبك يا وردتى". الكاتب المجهول الذى نقش جملته السحرية لم يفكر فى السبب، لم يتساءل بينه وبين نفسه عن سبب حبه للوردة، أو بشكل أدق "وردته" هو.. أو يطرح السؤال علينا.. لقد كتب ما كتب دون أن يفكر أو يطرح السؤال على نفسه أو على أحد. لكن الأمر يختلف فيما يخص "ليسبو"، أولا لابد أن نفكر فى تسجيل تاريخنا، أن نسجل التاريخ بشكل يتناسب مع التربية التى تربينا عليها، والأدب الذى قرأنا.. من الممكن اعتبار أن حادثاً مثل حادث التحرش بالزميلات الصحفيات على سلم النقابة كان الدافع. إلى متى سنظل نصطدم بأحداث مسيئة ولا نتحرك؟ (يخرج منديلا. يمسح دمعة أوشكت على النزول. يتابع وعيناه ملتمعتان من التأثر): حينما سمعت عن الحادث، حيث كنت وقتها مستغرقا فى قراءة رواية "الدرفيل أو فتاة الليل الحزين" للكاتب الجامد محمد أحمد، ساعتها سمعت عن الحادث وفكرت أن أكتب. أخذت أكتب.. لسنوات وسنوات.. أنتهى من رزم الأوراق وأبدأ فى أوراق جديدة.. الرزمة تأتى برزمة.. وهكذا كنت أقرأ بعض الأسطر من الرواية، رواية الدرافيل، وأعود للكتابة.. وبعد أن أنتهيت من الرزم بدأت فى تنقيح العمل..استغرق ذلك السنوات والعقود (ملحوظة المحرر: استغرقت كتابة ليسبو خمسا وثلاثين عاما، كان أصدقاء وائل يلحون عليه في نشرها ولكنه كان مبضونا منهم ومنها). يتابع: حينها شعرت أن ليسبو انتهت. أما بالنسبة للسؤال عن التوقيت: فيمكننى أن أجيبك دون أن ادعى التواضع أن كل الأوقات هي أوقات ليسبو، والجملة الأخيرة من الممكن نشرها باعتبارها عنواناً. (ملحوظة المحرر: وقد كان!)

***

  • يدخل أسامة فاروق (يحمل كيس شيبسي كبيرا، بتلاتة جنيه). يسأله أحمد وائل: بطعم ماذا هذا؟
  • أ. ف: الجبنة.
  • أ. و: (يتأمل كثيراً) نعم. كويسة الجبنة.

***

  • نائل الطوخي، مستكملا طرح الأسئلة: وهل ياترى قدمت تنازلات من أجل نشر أول عمل لك؟
  • أ. ف: هذا سؤال ساخن جدا على فكرة.
  • أ. و: انا زي ما انا.. ممكن تقول وائل زي ما هو، ماتغيرش. انت شفت حاجة؟ (بعصبية وصوت مشروخ) إنت بتجاورني ف العمل. بنتقابل كتير. هل إنت شفت إن أنا اتغيرت؟

***

  • بالنسبة لليسبو. هل ترى أنها تفضح المسكوت عنه في الرواية العربية؟
  • (بسرعة شديدة كأنه يتوقع السؤال) طبعا. من زمان.
  • إجابتك غامضة قليلا، فهل يا ترى تقصد ليسبو من زمان، أم الفضح من زمان، أم المسكوت عنه من زمان؟
  • كله من زمان. هو حاجة كويسة عالعموم. (يردد الجملة أكثر من مرة وهو يتأمل السقف) فضح المسكوت عنه. فضح المسكوت عنه.
  • أ. ف: في الرواية هناك كمترى وبطاطس وبرتقان. لماذا هذه الأشياء بالتحديد؟ ما علاقتك بها؟ لماذا لم تضع الجوافة مثلا، مع أنها نفس شكل الكمثرى؟
  • (يفكر طويلا ثم يقول): الكمثرى حلوة.

***

  • ن. ط: وبالنسبة للتمويل الأجنبي الذي يشاع أنه وراء الاسم الأجنبي لروايتك؟
  • صديقى العزيز.. أنت ما زلت "ساذجا" "عبيطا" تخوض معارك غيرك.. اعترف من وراءك، بلسان من تتحدث يا سيد نائل..من؟ (يقف ويمسك بالكرسى ويهشمه على المكتب، ثم يوجه أصبعه للمحرر مكررا المقطع الاخير من السؤال "من" "من") هل تتهمنى بالعمالة؟ (يجلس على كرسى آخر ويتابع الحديث) احم ..إننى لا أبيع روايتى وتاريخى وسمعة الجيل الحالى، الاسم الأجنبى لم يعد دليل عمالة، بل دليل اكتفاء وثقة فى النفس، أننا لا نتخوف من استخدام العنوان الاجنبى مثلا أو نريد أو نتسول الترجمة..أقول لكل من يفكر بهذه الطريقة: أدفن نفسك يا ملعون داخل أقرب جبانة يا جبان. أنا لم ولن أمول من أى مكان أو أذهب إلى جهة تمويل أجنبى..وأختتم كلامى فى هذه النقطة أن الاسم الأجنبى (يطلب نسكافيه بلاك ولا يعاود الكلام إلا بعد حضور المشروب ويدخن سيجارة ثم يعاود): كما قلت من عشرة دقائق وما الاسم الأجنبى إلا خدعة.. لن يفهمها أمثالك من الحاقدين.. انت ومن وراءك. عزيزى الأخ نائل أرجوك لا تدمر تاريخك، لا تبيع نفسك للشيطان.

  • للتوضيح فقط لأن الأمر يمس كرامتي المهنية، فأنا لا أدمر تاريخي وإنما أتركه يدمر نفسه بنفسه، وعموما، لتلطيف الموضوع، فهذا هو سؤالي الأخير: ما رايك فيمن يرددون بأن روايتك مسروقة بالحرف من رواية الروائي العالمي محمد احمد "الدرفيل او فتاة الليل الحزين"؟؟

  • كما قلت لك فى السابق أننى كنت أعيش فى احد فترات حياتى كقارئ لهذه الرواية.. أنا لا أقصد أن أسئ للعظيم محمد أحمد، لكن الضمير يتحدث الآن، رواية الدرفيل بها مشكلة رهيبة.. هي تعتمد على نص مسروق، الرواية كلها مخطوط تركه أحد أصدقاء محمد أحمد على طاولة بمقهى ريش ودخل إلى الحمام، وحينما عاد إلى الطاولة لم يجد المخطوط.. الطاولة كان يجلس عليها محمد أحمد وشخص آخر. لكن ما يؤكده الكثيرون أن الشخص الآخر كان لا يقرأ ولا يكتب، وفيما بعد عرفناه بالناقد سيد كرشيندو، هذا الرجل الجميل الذى تنقل بين النقد والرواية والعزف، ولكنا نتذكر عمله الخالد "الدرفيل أو سيدة البانيو الحزينة"..لماذا تتهمنى بسرقة عمل محمد أحمد، وتنسى عمل كرشيندو؟ أنا عن نفسى أفضل أن أكون مصححا للوضع. وسأوضح لك ما أقصده بالطبع: كنت أقرأ درفيل محمد أحمد، كنت مستغرقا تماما فى القراءة، وفكرت أن أكتب الجزء الثانى والثالث من الرواية، لكن سؤالا مهم طرح نفسه: كيف تمر السنوات ولا تستحم فتاة الليل الحزين؟ قلت هذا لصديق فنصحنى بقراءة الدرفيل الثانى، هكذا قالها واللهى، بعد ذلك عرفت برواية كرشيندو.. وبعد القراءة اكتشفت أن هناك الكثير من الأخطاء.. ليس المهم حياة فتاة الليل ودخولها للبانيو أم لا.. السؤال الآن ما الذى قصده المؤلف الأول للرواية، الرجل الذى نسيناه جميعا، العظيم روكه بركات. ما الذى كان روكه يريده حينما ترك المخطوط ودخل الحمام وترك روايته العظيمة أمام اتنين يسرقوا مال النبى.. هذا هو السؤال الذى شغلنى وروايتى إجابة وافية عليه. هل اتضحت الصورة الآن؟

ويظل سؤال أحمد وائل هذا يتردد في ذهني وأنا ألملم حاجياتي وأمضي. وتظل أسئلته تدور في خلدي. فهل تجد من يسمع لها، هل.. هل.. أسئلة كثيرة تنتظر الإجابة.

Saturday, December 20, 2008

حاسب نفسك قبل أن تحاسَب: الإتنين زيرو زيرو نموذجا

أعزائي وعزيزاتي، أصدقاء المدونة الكرام

هاهو عام ألفين تمانية يوشك على الانقضاء، بحلوه ومره، بخيره وشره، وهانحن على أهبة استقبال عام جديد. ونحن إذ نأمل في أيام ربنا كلها الخير، فإننا ننتهز الفرصة الكريمة لنحاسِب أنفسنا قبل أن نحاسَب. لا لنحاسب عامنا الحالي فحسب وإنما عقدنا كله، الذي يبدأ ترقيمه بأرقام اتنين زيرو زيرو، والذي يوشك على الانقضاء هو الآخر.

كما تبدو لنا التسعينيات بعيدة ومثيرة للسخرية الآن، فإن المسيرة القاسية للزمن تدلنا على أننا سوف نبدو كائنات عجيبة في أعين لاحقينا، والذين سيكونون عبارة عن نحن أنفسنا، مضافا إلينا عدة سنوات (وكيلوجرامات). هل يمكننا رؤية البحر ونحن غارقون فيه، هل يمكننا الإطلال برأسنا فقط، لنحاول رؤية أنفسنا، من بعيد، ثم العودة مرة أخرى؟ هل يمكننا تحديد سمات معينة للعقد الحالي ستبدو فيما بعد غير مفهومة ومثيرة للسخرية. إليكم اقتراحاتي المتواضعة :

1 – الإنترنت: العقد الحالي جعل للإنترنت كل هذه الشعبية في العالم. هذا سيتواصل في العقود القادمة، ولكن ما سيدو غريبا هو الاحتفاء المبالغ فيه به واعتباره معجزة العصر الحديث. سينظر أبناء العقود التالية إلى أبناء الاتنين زيرو زيرو بنوع من الشفقة، لأنهم تحدثوا عن النت أكثر مما تصفحوا صفحاته فعليا، ولأنهم تحدثوا عنه بجدية وتقديس أكثر من اللازم، ولأنهم تصوروا أنه سيغير شكل العالم فعليا. ومثلما ننظر نحن بسخرية إلى البطل زمان وهو يحض البطلة على الرقص ويقول لها: "خليكي مودرن"، فسوف يعاني أبناء العقود التالية في فهم فكرتنا عن المودرنيتي وارتباطه بالنت. هذه الكلمات يتم كتابتها والنت واقع في البلد كلها. وأنا أتحاشى بقوة القول أن العقود التالية لن تشهد انقطاعا للنت، لأنه شيء بديهي جدا أن الزمن يمضي لقدام في التكنولوجيا، ويلف حول نفسه في أماكن تانية.

2- هوس الزمن واقترانه باللغة، سيبدو غريبا في السنوات القادمة، وربما يبدو حكرا على أبناء الاتنين زيرو زيرو وحدهم. طلعت زكريا يقول لجمهور الشباب: "تنّه"، فيتأفف تامر حسني ويستوقفه ليكمل الشرح هو، لأن الشباب لن يفهموا "تنه"، ولغة خصوصي في "درس خصوصي" مثال جيد على هوس الزمن – اللغة. وتكرار إفيه دائم من عينة: "هما مش كانوا بطلوا اسم... دا"، أو: "ما تقلع يا عم الطربوش اللي انت لابسه دا وانت بتتكلم"، ربما كان هذا هو أول عقد يخضع إنسان العصور السابقة للتدقيق اللغوي. بعد أن كان استعلاء الإنسان "المودرن" في العقود السابقة يتمحور حول الطبقة لا الزمن، مستعينا وقتها بمقولات من عينة : "بلدي أوي يا حسين" أو: "يايييي. حاجة أوريجينال خالس."

3- مبارك: هو ملك الاتنين زيرو زيرو، وبالتحديد النصف الثاني منه، فهو الشخص الذي استطاع وحده أن يزعّل الناس كلها منه في أيامنا المفترجة هذه. في أيامنا هذه فقط، وليس فيما بعد، على ما يبدو، فصيحة مثل "يسقط يسقط حسني مبارك" لن تعد إلا شكل مختلفا وأكثر طرافة من "سعد سعد يحيا سعد" - لاحظ الإيقاع المتقارب. وبالمقارنة بالعقود السابقة، فلأول مرة تسجل القضية الفلسطينية انخفاضا ملحوظا في عدد المهتمين بها في مقابل قضية مبارك والتوريث والدستور وإبراهيم عيسى وجمال وعلاء وخديجة وسائر المشتقات، حتى القضية العراقية لم تستطع الصمود، برغم وقوع الالفين وتلاتة في قلب الاتنين زيرو زيرو. لن يفهم إنسان العقود التالية ما الذي يجعل وجه إنسان الاتنين زيرو زيرو، هو بالتحديد، ينتفخ غضبا عند سماع اسم مبارك، خاصة أن مبارك موجود قبل بداية الألفية بعشرين عاما. هل إنسان الاتنين زيرو زيرو حساس زيادة عن اللزوم مقارنة بأقرانه في العقود التانية؟

4 – أزمة الهوية: يصعب تحديد شكل واحد لملابس الاتنين زيرو زيرو، ولكن هناك ملمحا يتصل بالارتباك، أو بعدم تحديد الهدف من الملبوس. يعني مثلا ارتداء تيشيرت بكم طويل وفوقه تي شيرت بنص كم هو أمر صار له سنوات (ولا يقابله في السينما العالمية سوى ارتداء سوبر مان للكيلوت فوق البنطلون). هذا ليس حكرا على الذكور، فارتداء الإناث جيبة قصيرة فوق البنطلون، وارتداء بلوزة قصيرة (يفترض في صيغتها الأصلية أن تكشف عن السرة) فوق البودي الكامل المحتشم، هو أمر يؤكد لنا أن أزمة الهوية لا تتصل بالمثقف الحديث فقط.

5- الأدب يبيع: هناك جمهور للأدب. هذه مسلمة وهوس أدباء الإتنين زيرو زيرو، ينبغي الحديث عن هذه المسلمة بحماس وعدم التشكيك فيها. الجدية التي تصبغ ملامحنا ونحن نتحدث عن الجمهور هي العنصر المميز لأدباء العقد الحالي، وهي تستتبع عددا من الحركات، مثل حديث الأديب الرصين عن أرقام مبيعاته التي تجاوزت علاء الأسواني، حتى لو كان أديبا مثل عبد العزيز محمد أبو الوفا سعودي، والاهتمام غير العادي بحفلات التوقيع، وببوستر الكتاب، وبغلافه، والرعب الذي يصيب الكاتب عندما تتم مواجهته بتهمة أن كتبه أصعب من مستوى القارئ المتوسط، وحماسه البالغ – من ثم - لإنكار التهمة.

6- أقسام الشرطة: العقود السابقة انشغلت بقضاياها التي رأتها جوهرية، مثل الدروس الخصوصية، الفن الهابط، والبطالة، أما في الاتنين زيرو زيرو فإن القضية الأهم وصاحبة أعلى التصويتات هي قضية أقسام الشرطة. ظابط الشرطة هو الشخصية المحورية طبعا، وهو فاسد طبعا، (انتهى عصر الرومانسية الذي صور لنا الظباط أبطالا)، ويقابله على الناحية الأخرى البلطجي وتاجر المخدرات الذي يتعاطف معه الكاتب. وسواء تعاون الضابط الفاسد مع تاجر المخدرات أو حاربه، فإن الخير هو من نصيب تاجر المخدرات والشر من نصيب الضابط. هذا في السينما، ولكن في الصحف اليومية المستقلة فإن الأمر أيضاً لا يختلف كثيرا. وهذا يجعل لموضوع التعذيب كل هذه الشعبية، ولموضوع الإهانات هذا الإغراء (تحاول سينما خالد يوسف أو بلال فضل مثلا تقديم محاكاة دقيقة للإهانات داخل الأقسام، ولكنها تظل عاجزة ومحدودة، سيبدو هذا مثيرا للسخرية تماما فيما بعد، أعني أشياء على غرار استخدام "روح أمك" في كل مكان نحتاج فيه لاستخدام "كس أمك").

أعزائي وعزيزاتي، أحبائي وحبيباتي، أصدقاء المدونة الكرام. هل لديكم اقترحات أخرى؟

Friday, December 12, 2008

82

ما الذي تعرفه أنت عني؟

الآن نحن أصدقاء؟؟ أين كنت عندما حاربت وحدي رجال بيار الجميل بالبقاع؟ عندما ظللنا نقوص بالغربية لثلاثة أيام كاملة ونغني: "الفاكهاني.. غرنيكة الحرب الإسبانية "؟ أين كنت عندما فقدت باسبوري على الحدود الهولندية البلجيكية؟ عندما اختطفني رجال إيتا على الحدود الأسبانية وأنا لا أملك أية فرصة لإثبات هويتي؟

أين كنت عندما تحركنا مع ماو للحرب ضد الأمريكيين والكوريين، ومع نمور التاميل نهتف بحياة تاميل إيلام في وجه طغاة كولومبو وواشنطن، أين كنت في معركة الجسر الكبير، ومعركة "البريتيش إنديا ريفر"، وفي حرب الثاني من شباط، وفي الاجتماع الذي عرف باسم اجتماع "الأرانب المطبوخة بالسمن"، وفي المحاكمة الشعبية التي عقدناها لكميل شمعون؟ أين كنت ونحن نحارب في كابول، من بيت لبيت ومن طريق لطريق؟ كنت تحل مع أمك الواجب؟

بالأمس، عندما ذهبت للنوم، وجدت ظهر السرير مفصولا عن متنه، المسامير انفكت من قوة الضغط عليها، وانكشف مكانها قبيحا أسود رثاً، المفصلات الصدئة ومكان حفر المسامير في الخشب، كل هذا بدا كبطن انكشفت أمعاؤه، مثلما أصبحت عليه بيروت بعد الحرب الأهلية. لم أحضر مفكا أو شاكوشا، أدركت أن الشيطان هو من فعل هذا، وأنه لن يدعني أهنأ في حياتي الجديدة، ركلت ظهر السرير بقوة ليحدث دويا، هكذا طردت الشيطان، لساعتين استطعت طرده، لأنه بعد ساعتين رأيت في منامي نفس المشهد مرة أخرى: مفصلات صدئة، بيروت، الأشرفية، الشرقية، مسلحين، بطن مفتوحة بمطوا، ورأيتك أنت.

كثيرا ما فكرت أنك أنت الشيطان. ومنذ زمن طويل بعض الشيء، أو قصير بعض الشيء (بعض الشيء هي العنصر المشترك، لا أذكر إن كان طويلا أم قصيرا، ذابت هذه الفترة في الأحداث اللاحقة لها والسابقة عليها، صارت مرحلة بلا زمن، صارت زمنا بلا سياق، صارت سياقا أجوف)، تفحصت ظاهر يدي اليسرى، عند التقاء الكف بالذراع، في المنطقة التي تسمى المعصم، الجانب الأيمن من معصمي، وجدت شعرات بيضاً. عدد خمسة شعر أبيض. أخذت أنزعها، واحدة واحدة، مع هاجس يلح بأن نزع الشعر الأبيض يجعل البياض ينتقل إلى سائر الكف، ومع رغبة مستحكمة تدفعني لأن أفعل هذا. نزعتها. واليوم، لا أجد أثرا لها. لم تنبت من جديد. لم يغز البياض شعر كفي. هل كان هذا حقيقيا إذن؟ هل كان وهما؟ هل كان مساً من الشيطان؟ أخمن بأن لك دورا كبيرا في هذا. أرى أشياء. ثم أعود وأؤكد لنفسي أنني لم أرها. تختلط الموسيقى في ذاكرتي ببعضها لتنتج أعمالا، لا أقول أنها جيدة، ولكنها معقولة. أدور وأدور وأدور وألتمّ. أتضرع إلى الله لأنساك ولكن هذا لا يحدث أبداً.

:s

أين كنت بالاتنين وتمانين يا رضا؟

Friday, December 05, 2008

اعتذار عن المشاركة بمؤتمر السرد الجديد


لا أملك يقينيات فيما يخص ما يسمى بـ"السرد الجديد"، لا أملك يقينا بوجوده من عدمه أساساً، ولكن يقيني هو أنه إذا كان موجودا فإن المؤتمر الذي سيعقد في مرسى مطروح قريبا لن يكون ممثلا له.

المؤتمر بعنوان "أسئلة السرد الجديد" ويفتتح يوم 22 من الشهر الحالي، ولمن يريد أن يعرف شيئا عنه، فيمكن له أن يطالع هذه المدونة، والتي أسسها طه عبد المنعم، والذي سيسافر للمشاركة في المؤتمر، بصفته "إعلاميا".

المشاركون في المائدة المستديرة قريبون من بعضهم، بدافع الود والتراحم الذي يسود بينهم، ولكن بالأساس أيضا بدافع القرب المكاني. أغلب الأسماء المذكورة المشاركة في المائدة المستديرة، والتي يفترض أن أشارك فيها، تقيم بالقاهرة، وكثير منها يمكن لقائه في أماكن بعينها، الورشة الإبداعية للزيتون أو قهوة التكعيبة أو غيرها، وإذا كان ذلك كذلك، فلماذا نسافر إلى مرسى مطروح حتى نلتقي؟

ليس هذا هو الأساس، كما بدأت الكلام، فالسرد الجديد مصطلح غامض بطبعه، وإذا كان مقصودا به الجيل الذي بدأ الكتابة في العقد الحالي فإن القائمة واسعة، ولا تقتصر على أسماء بعينها مثل (والترتيب أبجدي): أحمد العايدي، أحمد ناجي، الطاهر شرقاوي، إيهاب عبد الحميد، ماهر عبد الرحمن، محمد الفخراني، محمد صلاح العزب، محمد علاء الدين، منصورة عز الدين، وهاني عبد المريد. أما الجيل الذي بدأ الكتابة في العقد السابق فيضم أسماء مثل: حمدي أبو جليل، مصطفى ذكري، منتصر القفاش، ميرال الطحاوي، نورا أمين، ياسر عبد اللطيف، وغيرها الكثير بالطبع. مشهد "السرد الجديد" واسع جدا في مصر، ولا تمثله المائدة المستديرة المخصصة، بحسب بيان الهيئة العامة لقصور الثقافة، لـ"عدد كبير من كتاب السرد الجديد"، وهم بحسب نفس البيان: "طارق إمام، محمد عبد النبي، عمر شهريار، هويدا صالح، أحمد عزت، نائل الطوخي، سهى زكي، هدرا جرجس، ومنى الشيمي". أعتقد أن اختيار اسم أو اسمين لامعين بين المشاركين لا يخدم الموقف كثيرا. كل هذا هو رأيي الشخصي والمتواضع للغاية، ليس حكما مطلقا بالطبع، ولا أحب له أن يُفهم هكذا.

هل تفاصيل هذا المشهد غائبة عن ذهن من أعدوا المؤتمر؟ حاشاي أن أقول هذا عن أساتذتي. لذا تبدو أخطاء معينة غريبة وغير مفهومة: في البداية، يُعلن في المدونة، اسم أحمد الفخراني، الشاعر، مشاركا في المائدة المستديرة، وفجأة يتم استبعاد اسمه. لا أحد يعرف لماذا دُعي من البدء طالما هو شاعر، ولا أحد يعرف لماذا استبعد بعد ذلك. كل هذا غير معلن عنه ويفتح الباب للتكهنات. هل كان الروائي محمد الفخراني هو المقصود من البداية؟ لا أعرف، ولكن هذا هو الاستنتاج الأساسي والأقرب الذي يصل إليه من يعرفون بهذه القصة، ومعهم حق، طالما أن التفاصيل غير معلن عنها.

اقترح البعض إهداء جلسة المائدة المستديرة "التي يفترض أن يتحاور فيها الأدباء الأصغر سنا" إلى القاص الراحل محمد حسين بكر. لماذا محمد حسين بكر وليس محمد ربيع مثلا، وقد توفى في مارس الماضي، وهو صاحب أساليب سرد غير عادية وغير تقليدية إطلاقا، وبغض النظر عن مدى فنيتها، فهي تمثل نوعا راديكاليا من "السرد الجديد". وإذا كانت هويدا صالح تشارك في المائدة المستديرة "وهو ما يعني أن الأمر ليس مقصورا على الأصغر سنا، كما قد يتوقع المرء من الأسماء المشاركة فيها"، فلماذا لم يتم إهداء الجلسة إلى خيري عبد الجواد مثلا الذي رحل منذ أشهر، أو نعمات البحيري، وهما أهم، بمعايير النقد، من الاثنين، ربيع وحسين بكر. ولماذا لم يطرح هذا الأمر للنقاش أصلا، أي: الاختيار من بين عدد من الأدباء "الساردين" ممن توفوا قريبا ويمكننا إهداء الجلسة لأرواحهم؟ هل لهذا علاقة بحضور القاصة سهى زكي، وهي زوجة حسين بكر، المائدة المستديرة. هل تغلبت النوازع الإنسانية على نوازع العمل المهني؟ وبالمناسبة، فلقد تحدثت مع سهى من قبل في هذا الموضوع. أخبرتها برأيي الشخصي. وأعتقد أنها تفهمت.

لهذا كله، ولإحساسي بأن المائدة المستديرة التي سأشارك بها لا تمثل ما يمكن أن يطلق عليه "السرد الجديد"، فأنا أعتذر عن حضور المؤتمر. كلمة "أعتذر" تحمل معنى الاعتذار الأصلي، أي الاعتراف بالخطأ، لأنني قد سبق وقبلت الحضور عندما عرضه عليّ الأمين العام للمؤتمر، سيد الوكيل، أستاذي الذي أحترمه أديبا وناقدا تماما. أخطأت عندما وافقت بدون معرفة التفاصيل المذكورة، (ربما ما يشفع لي أن التفاصيل نفسها كانت في طور التكون ساعتئذ).

أمر أخير: ارتياحي أو عدم ارتياحي للمشاركة في المؤتمر هو أمر شخصي تماما، ولا يخص أو يلزم أحدا سواي بالطبع، فقط أردت أن يكون السبب الحقيقي معلنا، لذا قمت بالنشر على المدونة. أتمنى التفهم من الجميع.