Wednesday, April 25, 2012

عمرو بيه: أنا أقدم واحد ف العمارة دي





في طريقي إلى فيلا عمر بيه، بمنتهى الأمانة، كنت موهوماً. رجل دولة حقيقي من الطراز القديم، ينتمي للزمن الحقيقي الجميل، قبل تشوه القاهرة بعمارات سرطانية تشوه الأفق وتحجب السماء عن أعين قاطنيها. الرجل الذي سألتقيه حالاً هو باشا، برنس بالمعنى الحقيقي.

ناولني عمرو بيه كأساً، ثم بدأ حديثه بأن سألني عما يحدث. قلت له إن هناك اعتصاما لأولاد ابو اسماعيل في التحرير، أخفى وجهه في الأرض ومصمص بشفتيه متمتما بكلمة غامضة. بدا يعاني ألماً نفسياً هائلاً لما آل له وضع مصر. نظر لي فلاحظت أن عينيه محمرتان. قال لي بأسف حقيقي: " فوضى شديدة. فوضى شديدة مفيش كلام. في الحقيقة أنا تقدمت بمشروع للحد من هذا الوضع، المشروع كان بيقوم على بنود عديدة لتقريب رجل الشارع من المطبخ السياسي، لكن ما يحدث الآن هو إن دا بيقول كلام، ودا بيقول كلام، فأنا كمواطن بسيط لا أستطيع أن أفهم، فماذا يحدث، اللي بيحدث هو نوع من الفوضى غير الحميدة، لا لا لا لأ، غير حميدة إطلاقاً. للأسف الثورة استغلها مجموعة من المنتفعين من النظام السابق. الوضع مؤسف فعلاً".

كنت مسحوراً بطريقة صياغة عمرو بيه لجملته. بدا لي هو الوحيد القادر – بالفعل، وليس بالقول – على قيادة الدفة المصرية لبر الأمان، وتقديم مشروع واضح للنهضة. ناولني كأساً آخر ثم واصل حديثه: "يعني قد إيه أنا بأسعد لما ألاقي واحد من أفراد الشعب مهموم بقضايا وطنه، النظام السابق كان بيحرمنا من رؤية شبابنا الجميل (يبتسم) ولا أخفيك إني كنت واحد من الناس اللي يائسين من وضع البلد. (يقهقه عالياً) دا حقيقي. ماتستغربش. احنا كنا مندهشين من إن إزاي الشباب دا طلع بكل هذه الوطنية وكل هذا الحب لبلده. (ينتقل للجدية) ولذلك في الحقيقة فمشروعي بيقوم في الأساس على دعم الشباب. وَ.. وَ.. وَ..وَ.. وبالتالي فيه مناطق في الصحراء الغربية أنا بَأندهش فعلا يا نائل بيه إنها ازاي غير مستثمرة لحد هذه اللحظة. شيء مثير للدهشة لأبعد الحدود، باكلمك بصدق".

الكأس الثالث: "الشعب المصري ذكي، ولذلك استحالة يتقبل مجموعة من الناس اللي استغلت الثورة – وباقولهالك بصدق يا نائل بيه، يعني من الكلام مع أفراد حملتي أثبتلي مقدار ذكاء هذا الشعب العظيم، هل تعلم حضرتك إن هذا الشعب العظيم بنى الأهرامات، وبنى حضارة عظيمة تمتد لسبعين ألف سنة (أفكر في أنه أضاف صفرا من عنده على الرقم المتداول، ثم أعاود التفكير في أنه فعل هذا لمقدار إيمانه بقدرة هذا الشعب على صنع المعجزات)، فهل إنت هتقنعني إن هذا الشعب سيأتي عليه يوم ويصدق مجموعة من ال.. ال.. ال.. هه؟ مش معقول خالص."

صمت طويل يعقبه إعداده كأساً لي بنفسه. ثم يستند على المخدة. يضع ساقاً على ساق. يبدو في وضع استراحة المقاتل. فجأة يتحدث بصوت خفيض: "أنا قلتلهم.. قلتلهم إن هذا غير قانوني وغير دستوري.. وللأسف كانوا بيروا إن الحل يمكن تأجيله، (يقوم فجأة، ينظر لي بعينين محمرتين تماماً) انا تم رفضي من أغلبهم. الجميع وقتها قالوا عمرو بيه مش عاوز يلايمها، عمرو بيه بتاع الكلام الجد، عال، سألتهم إيه البديل، فماحدش رد. احنا بندفع تمن.. تمن.. تمن.. تمن خطايا سياسية كبيرة جدا، خطايا سياسية، مش أخطاء سياسية، لا لا لا لا. الفرق كبير خالص".
مازلت منبهراً بقدرته على صياغة الجملة ودقته اللغوية. غير وضع الساق- على – ساق وقرر ثني ساقه اليمنى وإراحتها على الكنبة. ينام قليلاً ثم يصحو: "حضرتك عارف ان الأجانب. الأجانب بيقدروا الخمرة.. بيحترموها.. المصريين بيحبوا الحشيش (بابتسامة بعينيه الكحيلة) فرق كبير. هه؟"
ينعس قليلاً، يتصاعد صوت شخيره، ينسحب الروب عن سمانته المشعرة، منظر مقرف جداً، يع فعلاً، لكن معلش، فجأة يصحو. ويبدأ في الصراخ: "أنا أقدم واحد ف العمارة دي. أنا أقدم واحد ف العمارة دي". تبدأ أعصابه في الاسترخاء مرة أخرى، وتبدأ عيناه الكحيلتان في الانغلاق. يدندن:  "انا اقدم واحد فيكي، وامانك م اللي بانيكي، احنا في زمن المسخ، هه؟ مش صح؟ زمن مسخ مفيش كلام". ثم يعلو صوت شخيره.