Friday, December 28, 2007

لهذه الأسباب، طلقت ليلى

أصدقائي وأعزائي، تعودنا أن نتحادث معا في أوقات السراء والضراء، أن أشكو إليكم فتشيرون علي أو تشكون لي فأمدكم بالرأي السليم. ومنذ البداية، منذ قررت أن اجعل حياتي الخاصة مشاعا لكم، لعيونكم وآذانكم الراغبة في المعرفة، على ستاتوس الفيسبوك أو في بعض التدوينات، منذئذ وأنا أؤمن بأن مصارحتي إياكم هي الطريق الأمثل للمواجهة.

عرفت أن كثيرا منكم قد اعتصره الألم لانفصالي عن ليلى، خاصة الذين تابعوا قصتنا من البداية، أؤكد أن الألم اعتصرني مثلكم بالضبط، مع فارق بسيط، فأنا يا أصدقاء يعتصرني الألم منذ خمس سنوات بالضبط، خمس سنوات وأنا أعيش جحيما يوميا، جحيما من قلة التواصل وعدم وجود أي تفاهم من أي نوع مع المرأة التي يفترض أنني أشاركها نفس السقف ونفس الجدران في علاقة يفترض أن اسمها هو زواج.

العذاب بدأ منذ خمس سنوات، ولكن وتيرته غدت أكثر تسارعا وشدة في العام الأخير، عندها بدأت ليلى في التحول إلى امرأة مقيتة، بدت كأنها تريد هدم كل ما كنت أحاول بنائه منذ زواجي بها.

أصدقائي الأعزاء، لا يتسع وقتي ولا وقتكم لأشرح كل شيء، ولكن لأسرد قصة واحدة معبرة: منذ أربعة أشهر ثارت خناقة كبيرة بيني وبينها، خناقة تافهة إذا جاز التعبير، أنا أريد نقل فوتيه من الأنتريه إلى غرفة المكتب، قدام الكمبيوتر، شرحت لها، هذا سيكون مريحا لي أكثر، فوجئت بها ترفض، ساقت وقتها عددا من الحجج مثل عدم ملائمة لون الفوتيه لغرفة المكتب وما إلى ذلك، يا بنت الحلال نحن في غرفة المكتب، من سيزورنا هناك ومن سيرانا؟ استيقظت يارا، بدأت تراقبنا بعيون مذهولة، شاهدت أمها وهي تعترض على أبيها بصوت عال، وهي تتجادل معه وتدخل في نقاش معه. شاهدت البنت كل هذا بعينيها، اضطررت أنا وقتها للصراخ بل ربما قد أكون مددت يدي عليها بشكل ما، لا أذكر بالضبط، فماذا فعلت رفيقة عمري، حياتي، حبيبة قلبي؟ تركت البيت ليومين عند أبوها، كم كانت هذه أياما كريهة.

كان يمكن لليلى أن تعارضني قبل ذلك، بل وأكثر من هذا، فلقد سمحت لها أكثر من مرة بالدخول في جدل معي حول ما يصح وما لا يصح، على الرغم من أنها تعرف جيدا كراهيتي للجدال، خاصة لو كانت امرأة، وأعتذر للجنس اللطيف، تجادل رجلا، وليلى لم تكن استثناء أبدا. فما بالك لو حدث ذلك أمام الصغيرة، التي لا تزال تتعلم بعد مبادئ الحياة، تتعلم أن الرجل رجل والمرأة مرأة. تتعلم كيف على الرجل أن يكون مطاعا في بيته، تتعلم احترام أبيها واحترام الذي لأجله وبفضله قام هذا البيت ووجدت هي نفسها!؟ اضطررت وقتها للذهاب إلي بيت نسايبي لإحضار ليلى. وكان هذا كريها ومشينا، كما تعرفون.

بعدها صارت السيدة ليلى تناقشني في كل كبيرة وصغيرة، متعمدة استفزازي، تتأخر بقصد عن إعداد الشاي، تبدأ في التذمر بمجرد أن أطلب منها شيئا، وتتحول إلى مجنونة إذا ما شرعت بالضرب الهين غير المبرح لها تنفيذا لأمر الله، وتتعمد أن توافق أو تتمنع بدون منطق محدد عندما أرغب بإقامة الواجبات الزوجية معها، بدون سبب مقنع توافق أو تتمنع، بدون مواعيد محددة توافق أو تتمنع، كأنها ترغب في وضعي على الدوام تحت رحمتها، وكل هذا تراه وتتعلمه يارا الصغيرة، تتعلم ميزان الكون مقلوبا. باختصار، بدت ليلى عازمة على طلاقها.

المهم، وحتى لا أطيل عليكم، لم يكن ممكنا أبدا للسيدة ليلى أحمد علوان أن تجعل مني أضحوكة أو أن تخلصني من سيادتي عليها، باعتباري ذكرا، وأنا هنا حريص على عدم تنميق الكلام، وبالفعل، فالذكورة هي مجد العالم، هي جوهرته، وذكورتي أنا لا تعني إلا سيادتي، ذكورتي لا تعني إلا قضيبي، وقضيبي يعني أني قادر على منح المتعة ومنح الأطفال والإيلام في نفس اللحظة، ولذا فأنا سيد وأنا مسيطر، ودعونا لا نعير أذانا لسائر المخنثين في العالم.

الآن أنا مع يارا، الآن نؤسس عالمنا الجديد والجميل، الآن اعدها لتنتقم لأبيها من زوجته السابقة، السيدة التي أذته أكثر من أي شخص آخر. الآن تتعلم الكون على استقامته مرة أخرى، تتعلم كيف يؤدي كل شخص دوره في هذا الحياة، ومن خرج عن دوره فليتحمل، أسترجع أمام يارا ما فعلته أمها، ألقنها إياه، لا أدعها تنساه أبدا، حتى إذا صارت يوما امرأة ناضجة، استطاعت الثأر للشخص الذي لولاه لما كان لها وجود.

أصدقائي وأعزائي، يوما ما، كتبت عن ليلى رواية، وقتها أسميت شخصية الرواية، وكان اسمها هو عنوان الرواية، نفس الاسم الذي لليلى ومنحت اسم أبيها الحرف الأول من اسم حمايا، أبو زوجتي الفاضل، لا أبو زوجتي الفاضلة، هذا توضيح فحسب. لا أنكر أنني أحببت ليلى يوما، وأنني حلمت أن نعيش إلى الأبد في نفس البيت ومع نفس الطفلة. الآن كل هذا ذهب أدراج الريح. ما علمته لي الحياة كان قاسيا للغاية، وأبرزه أن لا أحد يتخلى عما يعتقده لأجل شخص آخر، أو، لنكن أكثر صراحة، لأجل امرأة. هن جعلن لتتم مضاجعتهن، وحتى الآن لم أعرف لهن وظيفة أخرى ذات جدوى.

أعتذر للجميع وأشكر الجميع وأتمنى لو كان كل شيء على ما يرام لدى الجميع.

المخلص لكم دائما: نائل



Friday, December 21, 2007

الجزيرة أو من البداية لم تكن هناك أية حكومة


"من النهاردة مفيش حكومة.. أنا الحكومة" هكذا كانت صرخة منصور حفني الراغب في تطهير جزيرته من عساكر الداخلية بعد أن بدأوا يفتحون أعينهم على نشاطه. كانت هي كذلك الصرخة التي دفعت الكثيرين، ومنهم عبدكم المخلص، للتحمس لمشاهدة فيلم "الجزيرة"، إخراج شريف عرفة وقصة محمد دياب وبطولة أحمد السقا، ودفعت الكثير من المشاهدين منهم لكي يهتفوا في الشارع بعد انتهاء الفيلم قائلين "أنا الحكومة" ويصفقون بهستريا أثناء اللحظة الدرامية للنطق بالعبارة، أو أن هذا على الأقل ما حدث في سينما نورماندي وعلى أبوابها.

في جزء منه، فالجزيرة هو نسخة مصرية، وصعيدية بالتحديد، من "الأب الروحي". مايكل كورليوني "آل باتشينو" هو الشاب المثالي الذي يتطوع في الحرب دفاعا عن أمريكا وقيمها، ويرفض الإجرام الذي تمارسه عائلته المافياوية. فجأة يقرر الأب تدشين ابنه الصغير باعتباره الأب الروحي الجديد. يقابل هذا بذهول، ويتم تفسيره على أن عائلة كورليون تسير إلى الضعف، يكون لزاما إذن على مايكل إذن أن يمر باختبارات نار عديدة لترسيخ عائلته وإثبات وجوده على رأسها. وفي الجزيرة، منصور حفني هو "الأستاذ منصور بتاع المدارس" الذي ينظر له أقاربه باستهانة، بينما يقرر الأب "محمود ياسين" إعلانه كبير العائلة، بسبب كونه "ابن المدارس" بالتحديد. يمر منصور باختبار بسيط في البداية، يتحداه عمه حسن "باسم سمرة" للنزال تحطيبا. يكاد ينتصر عليه. يقفز منصور عاليا ليفجر اللمبة، ينصرف لثانية انتباه العم المبارز إليها ويكون هذا كافيا لكي تكون عصا منصور ملامسة لرأسه ومهددة بتهشيمها. اختبار آخر في أثناء تسليم البضاعة ومنصور على رأس العملية، تهجم عائلة على البضاعة لسرقتها والهرب بها، ينجح منصور في استرجاعها بعد مطاردات وأكشن. هكذا يموت الأب مطمئنا على العائلة التي ولد كبيرها أسدا ينهش لحم من أمامه.

***

الفيلم لم يبدأ بعد البداية الحقيقية. سيحدث هذا في جنازة الأب. تهجم عائلة النجايحة، التي رفضت من البداية الانضواء تحت كنف منصور باعتباره الكبير، على سرادق العزاء، يقتلون أم منصور وزوجته. نتابع منصور وقد أصبح بلا رجال، بعد أن دخلوا السجن، وهو مطالب وحده بالثأر من عائلة كبيرة أعلنت عن دفع مبلغ مئة ألف جنيها ثمنا لرقبته. شيئا فشيئا يتمكن من استرداد قوته، يكون جيشا من مطاريد الجبل عن طريق وعدهم بالنزول إلى الجزيرة والعمل بها، ينجح في الحصول على سلاح من السودان بعد أن اختفى السلاح من مصر أيام الإرهاب، يستميل إليه الداخلية عن طريق رشوة ضباطها الفاسدين بالمخدرات والسلاح والإرهابيين ومسجلي الخطر الذين يريدونهم لإحراز ضبطيات كبيرة. شيئا فشيئا يبدأ منصور في إعادة تكوين مملكته الجديدة، ومن الصفر هذه المرة.

تحدث المذبحة التي لا مفر منها لعائلة النجايحة. بيوتهم تنفجر وأراضيهم تحترق ورجالهم يذبحون. وبرغم توسلات كريمة، حبيبة منصور (هند صبري التونسية الأصل.. والتي كانت عظيمة كالعادة، تحدثت الصعيدية كأهلها، في مقابل زينة، مصرية الأصل، فايقة زوجة منصور، والتي كانت صعيديتها كصعيدية مزز نادي هليوبوليس) برغم توسلات كريمة لمنصور بأن يرحم أخاها، أخاها الذي كان قد قتل من قبل زوجة منصور وأمه، فإن الأخير يقتله بطلقة واحدة من مسدسه. بطلقة واحدة يتمكن من الثأر لأهله والقضاء على عدوه وعلى ضعفه الإنساني أمام حبيبته، ثلاثة أهداف في خبطة واحدة. هكذا، في قلب المذبحة، يتم تعميد منصور حفني بالدم، قبل أن يعلن، مرة واحدة وإلى الأبد، إمبراطورا على الجزيرة المزروعة في كل شبر منها بالأفيون والسلاح. بالنسبة لمايكل كورليوني فقد كان لابد أن ينتظر المشاهدون نهاية الجزء الأول من "الأب الروحي" حتى يروا مذبحة تعميدية كتلك، مايكل يقوم بتعميد طفلين في الكنيسة، ينطق القداس كلمة كلمة، بينما رجاله بالخارج يقضون على رؤوس العائلات المنافسة. ينتهي الجزء الأول وقد أصبح مايكل كورليوني ملكا متوجا لعائلة كورليون. هكذا يولد كل من البطلين، تولد لاإنسانيتهم البهية، ويتحولان إلى ما أصبحا عليه طوال الفيلمين، مجرمين أشبه بالآلهة.

***

يبدأ كل فيلم في الافتراق عن الآخر، يصارع منصور من الآن فصاعدا الحكومة "التي يمثلها طارق بيه، الضابط الجديد المتحمس وهو المتحدث في الفيلم باسم خطاب النظام والدولة"، وليس العائلات الأخرى. التركيز على ضباط الشرطة كان لابد له أن يدخل بخطاب فلسفي إلى الفيلم، أو لنقل، أن الفيلم، على قوته، لم يكن مرضيا من الناحية الفنية لصناعه، مما دفعهم لإثقاله بكلام عن حقوق الإنسان وعن النظام في مواجهة الخارجين عليه، أو عن الأقوى الذي يفرض قانونه دائما. يمكن للمشاهدين أن يستعيدوا في هذا الفيلم مشاهد "الهروب" لعاطف الطيب وأحمد زكي وحواراته عن بطولة الخارجين على القانون في مقابل الجبن والخنوثة الدائمين لمن يماهون أنفسهم مع القانون.

للنظام هيبته، قد يسكت على الجريمة بمزاجه، ولكن الكبرياء رداءه والعظمة إزاره ومن نازعه فيهما قصمه. صرخة منصور حفني: "مفيش حكومة.. أنا الحكومة" ثم تفجيره لمبنى استراحة الضباط في أسيوط، هي كلها ما تدفع باتجاه الاقتحام المسلح بالمروحيات والمدرعات لقصره الذي جعل منه قلعة عسكرية محصنة. سؤالي الذي يطرح نفسه: لماذا لم يشر أفيش الفيلم إلى قصة عزت حنفي إمبراطور النخيلة، أو على الناحية الأخرى، لماذا قيل أصلا في الأفيش أن الفيلم مستوحى من قصة حقيقية. بالنسبة لمن يحبون السينما، كان الفيلم ليصبح ممتعا بدون أية إشارة إلى "حقيقة" ما، وبالنسبة لمن يريدون فهم المجتمع، كان الفيلم ليصبح مهما إذا تمت الإشارة صراحة إلى اسم عزت حنفي.

***

أحمد السقا، وصدقوا أو لا تصدقوا، هو ممثل كبير، لا يعوزه إلا شيئان: الاقتناع فعلا أنه ممثل كبير واختيار الأدوار الجيدة. وبرغم أنه ممثل كبير فلم يقم بدور له شأن في حياته باستثناء هذا الدور، والذي ربما كان التدشين الحقيقي له، مثلما كان التخلي عن شخصية ابن المدارس والتحول إلى تاجر سلاح ومخدرات هو التدشين الحقيقي لمنصور حفني، فهكذا هو الأمر بالنسبة للسقا تماما، التخلي عن لهجته القاهرية والتحول إلى صعيدية سلسة كأنما ولد بها، التخلي عن دور الجامد الفشيخ الدكر والمرح خفيف الظل عند اللزوم والتحول إلى دكر من نوع تاني، مجرم، بلا مشاعر إنسانية زائدة، قاتل ولا يعترف إلا بالقوة التي تخيف أعدائه.

هذه صورة مثالية بالطبع عن الفيلم، فصناع الفيلم – وإن كان يحسب لهم عدم إنهاءه بمشهد مقتل منصور الكبير متلقيا زخات الرصاص ومترنحا ببهاء القديسين مثلما كانت عليه نهاية تيتو، وهي النهاية التي كانت متوقعة إلى حد كبير في هذا الفيلم أيضا - أصروا على جعل المرأة، وهي هنا كريمة حبيبته، هي نقطة الضعف الدرامية للبطل، هي التي لأجلها يقرر الصلح مع النجايحة والتخلي عن هيبته وهي التي تستدرجه في النهاية لتسليم نفسه. فكرة قديمة ورومانسية؟ حسنا، ولكنها تتفق مع مجاز البطل التقليدي الذي يهزم الجميع ثم تهزمه المرأة، والفيلم، في وجه منه، يناقش فكرة البطولة لدى الناس، الناس الذين كان أبطالهم دوما وأبدا هم البلطجية والإرهابيون وتجار المخدرات، وفيلم الجزيرة هو دليل جديد ورائع على هذا.

Friday, December 14, 2007

تأملات في الاشتغالة السنية الشيعية

في بلاد إيران المقدسة، وفي حسينياتها العطرة جلست وبكيت..

هنالك تأملت كثيرا حال الأمة وما أصابها من هوان وتناحر وضعف، بأيدي أبنائها قبل أعدائها، وهداني الله إلى صياغة هذه الخاطرة المتواضعة فقلت لأكتبها لكم عسى أن تنول إعجابكم:

السنة والشيعة –في أدق تعريف لهم - هم ناس يزاولون أنفسهم، وهم يفعلون هذا بحرفنة، على الأقل حتى تبدو الاختلافا بينهم اختلافات جوهرية ومسألة حياة أو موت.

السني هو راجل يؤمن بمحمد ويحب علي، وكذلك الشيعي، ولكن الشيعي يحب علي أكتر حبة من السني، هذا عادي. بالمناسبة، المسلم السني يحب علي أوي هو كمان بس بيداري، ويحب علي أكثر من معاوية بس بيداري، نكاية في أخيه وابن عمه الشيعي. السني يسمع الشيعي يصلي ويسلم على فاطمة والحسين فياخد على خاطره ويزعل باعتبار اننا نصلي على النبي وبس، فيقول له الشيعي أمال اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله دي إيه؟

السني لا يحب معاوية بجد. بيحبه بالبق بس، حتى يبين أنه مختلف عن الشيعي، حتى يقنع نفسه ويقنع من حوله أيضا، يعني بيشتغل نفسه، والشيعي كذلك، بيقنع نفسه أن السني بيحب معاوية وبيكره علي بجد، مع أن السني بيحب علي بجد بينما بيحب معاوية وهو عاصر على وشه لمونة.

الشيعي بيكره عثمان، والسني لا يموت في دباديبه، هو لا يعرف عنه حاجة أصلا. تاريخ حياة وخلافة عثمان، لأسباب كثيرة، لم يكن هو المادة الأكثر سخونة وإثارة في كتب التاريخ التي درسها السني.

السني يحب عائشة والشيعي يكرهها، هذا بجد وفعلا وحقا وصدقا، وباستثناء هذا، فكل حاجة في اللعبة دي هي عبارة عن اشتغالة مرحة.

لنقل أنه كان هناك خلاف جذري في وجهات النظر هو ما تسبب في التاريخ الدموي بين الاتنين: السني ينظر إلى الشيعي باستعلاء لأن الشيعي بيفضل أهل الرسول على صحابته، مع أن المنطق بيقول العكس، لأن محدش منا بيختار أهله بينما كلنا بنختار اصحابنا، هكذا يشعر السني العصري الحر المتمرد على قيود العائلة، هكذا يشعر ولا يصرح، لأنه، وعن نفسه، عمره ما فضل أصحاب النبي على آل بيته الكريم. الشيعي على الناحية التانية يعتبر أن الدم عمره ما يبقى مية وأن الاصحاب حاجة وتروح وتيجي إنما الأهل هما اللي فاضلين لنا.

على العموم، ليست هناك شيء أكثر تسلية من إثنين قررا سويا خوض الحرب للنهاية، ثم، وبعد ذلك، أخذا يفكران في تبريراتها. الحرب هنا سبقت أسبابها. أية مزاولة هي!! ونحن، غير المحسوبين على هذا ولا ذاك، نتسلى بالفرجة مستمتعين، وكلما زاد القتل زادت بهجتنا، فحتى الشارع بكل أمجاده لا يقدم لنا عرضا مسليا يشتم فيه الواحد زميله قائلا: أنت وهابي يابني، فيرد الآخر: ما انت رافضي يا روح امك.


Friday, December 07, 2007

عن تعب الأسواني الذي لم يكن له لزوم أبدا والله


إعلان هام: في التدوينة السابقة كاد ظل خلاف حول كتابة علاء الأسواني أن يندلع في التعليقات. يا جماعة الخير، يا محبي الله ورسوله، ها أنا أصرخ إليكم من البرية: الرجل فضله عليّ لا ينكر، أقولها معترفا، بفضله هو وحده ستتم ترجمة نائل الطوخي إلى عشرات اللغات، وبلغات مختلفة هذا دائما أفضل جدا. فأرجوكم، هكذا أقول للقادمين إلى مقهاي المتواضع هذا، أن تعترفوا معي بفضل الأسواني على عبدكم المخلص.

وكان علاء الأسواني (ويشار إليه على لسان مريديه بالدكتور علاء) قد أتعب نفسه كثيرا بلا لزوم والله ليجعلني واحدا من شخصيات روايته. من قرأوا شيكاجو الأسواني يعرفون أن دكتور نائل الطوخي كان سكرتير الرئيس للمعلومات، ورد هذا في الصفحة ربعمية وعشرة أو ربعمية وعشرين، في الربعميات وخلاص. كان الطوخي شخصية متوارية ولكنها تفي بالغرض. ردي الحاسم على هذا: مشكور أخي الكريم على الإشارة.

الرجل أكيد لا يعرفني، وإنما علق في ذهنه الاسم فحسب، غير المنتشر بهذا القدر أو ذاك، ودعنا نكون صريحين، الاسم الفانتازي كأنه اسم لإقطاعي قديم أو لملك الجان على حد سواء، وعنه سأتحدث يوما ما. هكذا استعمله الأسواني ناسيا وجوده في الواقع. كلنا نقع في هذا الخطأ بأشكال مختلفة. وأحيانا يضايقنا هذا وأحيانا لا يضايقنا، وأنا لم يضايقني هذا.

لسبب ما، وبرغم عملي الصحفي، فلم يكن من حظي أن أحدث علاء الأسواني حتى الآن. فقط هذا الأسبوع حادثته لغرض صحفي مجرد. كنت قد ترقبت لهذه المكالمة كثيرا. تخيلت حوارا حداثيا، ساراماجويا، إن جازت النسبة هكذا. في البداية يعتقد الأسواني أنني واحد من شخصيات رواياته وقد اتصل به. على الرغم من أنه – أي الدكتور علاء (ويشار إليه على لسان قراءه بعلاء الأسواني) - لا يحب الخيال كثيرا، ليس نفورا منه، إنه استبضان، الرجل ينبضن من الخيال لأنه يجد الواقع أكثر ثراء. من حق أي شخص أن يأخذ هذا الموقف، عادي جدا، يعني فكرة أن واحدا من شخصيات روايته يتصل به لن تكون مثيرة بالنسبة له. ربما يكتب عنها فقط باعتبارها دليلا على تحول حتى شخصياته الروائية إلى مخبرين لمبارك يهاتفونه لتضييق عيشته وتطليعه من هدومه. ولكن الأهم، سيعود الأسواني إلى روايته ليصحح معلومة كوني سكرتيرا للرئيس. أي سيعيد كتابة شخصيتي باعتباري صحفيا أعمل بالثقافة. والصحفيون فاسدون بالطبع. سأكون صحفيا فاسدا، هذا مطمئن، والأكثر إثارة للاطمئنان هو تاريخ الأسواني الرقيق والمتحضر مع فساد الصحافة، وإلى حاتم رشيد أشير هذه المرة.

قد يطلب الأسواني لقائي على الفور، حتى يطمئن على موهبته الروائية، والمقترنة لديه بتشابه ما يحكيه مع ما يحدث أو ما يعتقد أنه يحدث. قد يجلس ليسمع مني، ليتخذ ما أحكيه مادة له لإعادة تدوير نائل الطوخي في الطبعة رقم 240 لروايته. هنا سأكون انا المتسلل لأفسد روايته عليه، سأكون وقتها قد قرأت الرواية جيدا وعرفت مداخل أبطالها. سأقص عليه معلومات زائفة عني، أتمكن بها من إثبات تورطي في حياة جميع أبطال شيكاجو الداخلية. يجد الرجل نفسه مجبرا على إعادة تدوير الرواية كلها، على كتابتها من أول وجديد، وشكرا للتحية.

هكذا فقط يا رفاق: يكون انهيار بنيان الرواية كلها قائما على الخلل الذي يسببه وجودي الرقيق المشابه للنسمة في الصفحة رقم ربعمية وحاجة من شيكاجو، وشكرا للتحية.