Friday, November 16, 2007

هوس إثبات براءة السلاطة البلدية

الجمهور الذي ذهب ليشاهد فيلم "سلطة بلدي" لنادية كامل في معهد جوتة لم يكن جمهورا بريئا، هذا أولا.

ببساطة شديدة، الناس سمعت كتير عن الحملة التي اتهمت الفيلم بالتطبيع، ولأن الفيلم يتحدث عن اليهود المصريين - مع خلفية لا يمكن تجاهلها وهي كتاب جوئيل بنين حول شتاتهم – فقد واتت جمهور جوتة، وكان في ذلك اليوم خليطا من اليساريين والليبراليين، الفرصة ليثبت أنه ليست لديه أية مشكلة عنصرية مع اليهود، لذا جمعت بينهم الرغبة العميقة في إثبات براءة الفيلم من شبهة التطبيع التي اتهم بها، ومثلما فعل الليبراليون واليساريون في دفاعهم عن "وليمة لأعشاب البحر"، أي محاولتهم بشتى الطرق إثبات "إسلام الرواية"، هكذا قرر الجمهور أن يفعل يومها، هذا ثانيا.

***

الفيلم صادم تماما. نشاهد فيه، يمكن لأول مرة، مصريين يزورون بيت يهود إسرائيليين، وليسوا إسرائيليين فحسب، إنهم يرتدون أيضا الطاقية اليهودية ويخدم أولادهم في الجيش الإسرائيلي، يمزحون معهم ويهيصون وينسون أم السياسة التي تتربص لهم على الباب. لا أستطيع الإجابة عن سؤال إن كان الفيلم يدعو للتطبيع أم لا. لأنني لا أفهم جيدا قصة "يدعو" هذه. ولكنني على يقين أن الفيلم بحد ذاته هو ممارسة للتطبيع. وإلا فما هو الاسم الجدير بفعل الدخول إلى قلب إسرائيل، ليس الضفة أو غزة وإنما إسرائيل، زيارة يهود، ليسوا صباريم، أي لم يولدوا في إسرائيل، وإنما هاجروا بمحض إرادتهم إليها وسكنوا في بيوت عرب تم تهجيرهم، وقول بطل الفيلم – سعد كامل – أنه يفرق بين الحكومة والشعب الإسرائيليين ويضيف: "الشعب الإسرائيلي شعب طيب"، كأنه بيتكلم مثلا عن الشعب الأمريكي أو الفنلندي. إذن الفيلم هو عمل تطبيعي من الدرجة الأولى، مثلما بالضبط هي علاقة نجيب محفوظ ومحمود درويش وإدوارد سعيد بالإسرائيليين، ومثلما هي زيارة أهداف سويف إلى تل أبيب. وهم جميعا رموز لنا يجتاحنا نفس الهوس لتبرئتهم من تهمة التطبيع أو لتبريرها لديهم.

***

هوس إثبات براءة الفيلم كان هو السبب الذي جعل الضحك الهستيري ينتشر في القاعة يومها ردا على مشاهد بعينها، أفيش عمرو خالد الكبير في ميدان التحرير ومشهد الطفل وهو مرتبك أمام جدته – نائلة كامل – التي تقرأ عليه بطاقة هوية أبيها: الديانة إسرائيلي. أراد المشاهدون أن يفهموا كون الطفل يسخر من عنصرية إسرائيل التي لا تفرق بين الدين والجنسية. طبعا جمهور كهذا لم يقنعه تبرير الجدة بأنه قبل قيام دولة إسرائيل كانت كلمة إسرائيلي تعني يهودي، لم يقنعه كون المشكلة لغوية وليست سياسية وأن الحديث هو عما قبل إسرائيل. جمهور جوتة في ذلك اليوم، وهو جمهور ليبرالي ويساري في الغالب، وهو الجمهور المتعاطف مع الفيلم، كان فخورا باستنارته ونكرانه على إسرائيل كونها دولة قامت على الدين. لذا لم يتح الجمهور لأحد، ولا حتى لبطلة الفيلم وأجمل شخصياته، أن تفسد عليه فخره بنفسه هذا، يضاف إلى هذا أن الضحك الهستيري على المشهد كان في ذات الوقت دليلا رادعا على وطنية الفيلم، أي على براءته من التطبيع، لا ينبغي أن ننسى هذا، هذا ثالثا.

***

فيلم "سلطة بلدي" يستحق كل الضجة المقامة حوله، إنه فيلم يدخل إلى قلب إسرائيل ومع هذا يتجرأ على عدم تصوير معاناة الفلسطينيين. فيلم يتحدث عن الإسرائيليين باعتبارهم بشرا، و ما جاء فيه ليؤكد الآراء العربية حول العنصرية الإسرائيلية حدث بشكل عفوي تماما ولم يخطط له أحد. بهذا المعنى، ومن المنظور القومي الوطني، فالفيلم غير بريء أبدا، وربما تكون عدم براءته هذه بالتحديد هي ما جعلته واحدا من أكثر الأفلام أهمية وجمالا في الوقت الحالي.

وكان هذا رابعا وأخيرا.

17 comments:

Anonymous said...

ما أجمل قراءة مدونتك، وما أجمل الغوص بها، ولكن كم أنت قاس وسادي في حبك وكرهك للفيلمو لغيرة وكذلك وضوحك بالكلمة التي بنفس الوقت تختبيء خلفها لتخفي جبنك،
بودي أن أعرف اين انتم ايها المثقفون والرفاق المحاربون المناضلون، الذين رفضتم ان تلقوا اقلامكم من اليمنى ولا كأس خمركم من اليسرى -او العكس ان اردت- اين انتم منا ومن معاناتنا
اليست قضيتنا قضية حق لانسان؟ أم بدونها اقلامكم مخنثة وكؤسكم خالية من الكحول فلنبقا في عزلتنا اذن ومخاض فوضتنا والم فرقتنا ،
رفقا بنا وكفانا عزلة تخت شعارات أدفأتنا يوم قرأناها للمرة الأولى وأهانتنا يوم قراناها للمرة الثانية
وطلقناها يوم ابكتنا بالثالثة
فهل نهرب للاخوان علهم يكونون نصر لنا كفاكم كفاكم
أهداف صويف زغردت في رام الله بلهجتها المصرية في اعرق جامعاتنا وكتبت ما رأت من معاناة لكم كانت الهاما
أما ادوارد فلا مزايدة بالله عليك، مهجر مات بسرطان أغلال العشق للوطن

AG said...

أستغرب فعلا من من يقول أن الفلم لا يصور معاناة الفلسطينين، و كأن واجب الفلم أن يصور معاناة الفلسطينين. دعنا نفترض أن واجب الفلم أن يصور معاناة الفلسطينيين.

لعلك لم تلاحظ أن بطل الفلم، نبيل شعث الصغير، فلسطيني، و هو ربما يمثل معاناة الفلسطينيين أفضل من أي غزاوي مثلا. فأغلب الفلسطينيون لاجئون، و أغلبهم لاجئون خارج الوطن، و أغلبهم حائرون تماما كالطفل نبيل.

دعونا نركز على تطبيع علاقاتنا مع الفلسطينيين أولا: تعليم و أمان و عيشة و تجارة و حق العودة.

Anonymous said...

لو نادية بتتكلم عن أمها حتتكلم عن الحواجز ليه؟ هيه اي صورة من فلسطين لازم تكون حجارة وخلاص؟ طب مهو نبيل قدامكم وعمته كمان والست الفلسطنيه التانيه اللي في الفيلم وله كمان هنكون فلسطنيين اكتر منهم؟ واضح ان احنا راسمين للفلسطيني براسنا صورة معينه لو حد جالنا بغيرها نرفضها
بنمون بس نزاود على بعض

Anonymous said...

I read many things about the film and i watched it twice not because i want to see if it is pro or anti normalization rather because i loved it.
I really hate to read words that sometimes destroy creativity!! an example of that when it comes to Salata Baladi, when people wrote that the film only put two minutes in favor of the Palestinian!! how is that? specially when the film is all about Nabil and his suffering as a Palestinian, the other two palestinian ladies didn't they talk about their suffering as well? or dose it have to be death and walls to be Palestine..
unfair unfair how we put ourselves in frams that suffocats us and our thought

^ H@fSS@^ said...

اسفه للتطفل على غير موضوع المقال
الرجاء زيارة الرابط الموجود لعل و عسى
http://elnaswiel3alam.blogspot.com/2007/11/blog-post_17.html
شكرا

اعتقد اني يمكن اكون لقيت طريقة حل في حكياة الباضن و المبضون في المسالة الاسلامسيستية لاني انا مبايضي خلاص انهارت
بالبلدي يعني حتبع اسلوب من دقنه و افتله
تحياتي

عمرو عزت said...

احتجاج البعض علي الفيلم لأنه لم يصور معاناة الفلسطينين , يذكرني باحتجاج شريف المرجوشي ( شعبان عبد الرحيم) علي رواية المواطن ( خالد أبو النجا) لأن روايته لم تتضمن إقامة أبطالها للصلاة و صومهم لرمضان , كما أنها لم تتضمن في نهايتها إصابة امرأة زانية بعاهة ما أو بمصيبة تأخذها , "دي صفية دي تستاهل قطع رقبتها " !
كما لا ننسي أن مثل هذا النقد يوجه خطابه , لا للمبدع , و إنما للمخبر ( صلاح عبد الله ) : " يرضيك كده يا حضرة الصول ؟ " .
هناك ما يسمي الآن بالثوابت الوطنية و إجماع الحركة الثقافية و هي أشياء لا يجوز الاجتهاد فيها و يجب معاقبة من يخرق الإجماع و يمس الثوابت .

Gaza said...

مجرّد سؤال لا علاقة له بأمر المدوّنة.. أو بموضوع الفلم..

لو ذهب فنان تشكيلي فلسطيني ليرسم لوحة أو مشروع لوحات تشكيليّة، هل يجب أن يرسمَ وجهه أو وجه أبيه أو حتى وجه الجنديّ الإسرائيليْ ضمن البورتريهات التي سيرسمها..
ولو افترضنا أن هذا الفنان اسرائيلي، لماذا نصفّق له كثيراً حين نرى قطّته تلحس الحليب كما يلحس الرجل زوجته لحسا ولحسا وتلحيسا


وقريباً من الموضوع:
الفيلم يستحق المشاهدة

soha zaky said...

استعراضك للفيلم وفكرته مشوقة جدا، لكن من هم صناع الفيلم يا نائل ، متهيألى دى أشارة مهمة

Anonymous said...

who are the people wwho made the film??

Anonymous said...

السفارة بالعمارة والسفير بالأسانسير

بلال حســــنى said...

اناطول عمرى من شدة افتعالى كنت بفتكر ان السينما لا يجب محاسبتها على الافاكر اد ما يمكن النظر لفنيه الاسلوب فيها
بس اكتشفت بدرى ان سحر السينما وخطرها ال ممكن تحول لمجذوب انها بتنقل حيوات مفترضه وانت بتتخيل حقيقتها تبعا للاسلوب الاقوى والمتماسك فى بناءه
بالتالى
من الممكن جعلك الاه اذا ماا اردت
الامر يتكلف عناء ان اصنع فيلما عن تحولاتك لفهم اللعبه ووصولك للالوهيه لانك نفخ منها
الامر بسيط على السينما

islam yusuf said...

انا ما شفتش الفيلميا استاذ نائل
لكن من تحليلك أقدر أقول انه تطبيعى ميه فى المية
اليساريين و الليبراليين
لا يستندوا على أى خلفية دينية
و لذلك ده لازم يكون موقفهم من الدولة الاسرائيلية كدولة مدنية
لا تقوم على أى أساس من تعصب دينى و عنصرى

لكن لو جينا من وجهة نظر رحبة شوية
إحنا مش معترضين على الدولة الاسرائلية بشكل عام
إحنا لازم نبص عهلى الايجاابيات
فيه تيارات مختلفة
ادباء و سينيمائيين و افراد من الولة الاسرائلية و اعلام بيهاجموا السياسة الاسرائيلية
ده التيار اللى احنا لازم نتزاصل معاه

بتعجبنى أوى ترجماتك عن العبرية فى اخبار الأدب
دى مورد ثقافى للآخر
مش هانقدر نستغنى عنه
تحياتى

مصطفى محمد said...

ربما أكون أكثر اهتماماً بالموضوع لو كان المقصود أوردر في مطعم للكبدة و المخ في السيدة .. و لكن ما لفت كيبوردي للموضوع هو الكلكعة التي نتعامل بها مع الاسرائليين كمدنيين .. مثلاً يا عم نائل كان في كتاب عاجبني جدا واخد جايزة الريبورتاج الأدبي بتاعة ألمانيا الكتاب برضك بيحكي عن الاسرائليين كبني ادميين بيمشو في الشارع و يشربو قهوة و يتفرجوا على مطشة و يقاوحوا بعض عن السياسة في القهاوي

الصراحة أنا راكن الكتاب ده على جنب .. مش عارف اقراه بانهي عقلية

nael eltoukhy said...

انونيموس

اشكرك.. ولكنني لم ازايد على ادوارد سعيد ابدا.. انا تحدثت عن علاقته بالاسرائيليين فقط،/ فهل يعني هذا انني ازايد عليه؟

عمرو غربية
مشرفني يا عمنا. طبعا ليس فرضا على الفيلم ان يصور معاناة الفلسطينيين. ولو ان لي تحفظا على ان نبيل يمثل معاناة الفلسطينيين افضل من اي غزاوي. اي غزاوي، واي غزاوي بالتحديد، مشاكله اكثر واقعية بيتهيالي، بكثير من مشكلة غياب الوطن، الكهربا والمية وقفل المعابر على طول. بيتهيالي المعاناة دي اكبر من اي معاناة عن تشتت الهوية وغياب الانتماء لوطن بعينه..

انونيموس
طبعا مش هنكون فلسطينيين اكتر من اي فلسطيني.. ومش لازم نتكلم عن فلسطين لما نكون جايين نتكلم عن اسرائيل او ساحل العاج.. طبعا مش قانون زي ما بتقولي ان نادية تتكلم عن الحواجز.

انونيموس
بالزبط.. لكن حتى لو ماكانش فيه نبيل وحتى لو ماكانش فيه ناس بتتكلم عن فلسطين بيتهيالي الفيلم هيفضل عمل جميل ومهم ف رايي


عمرو عزت
اصبح رفض التطبيع دينا زي ما قلت لي يوما. لا يجوز التشكيك فيه ولا حتى مناقشته بتعقل. اعترف ان مشهد شعبان عبد الرحيم خطر ف بالي اكتر من مرة وانا اسمع مطالبات الناس ان تكون الرواية اسلامية، اي ان يتحدث الفيلم عن معاناة الفلسطينيين

gaza
معاك جدا.. يستحق المشاهدة فعلا

سهى زكي وانونيموس

قايل ف السطر الاول ان الفيلم لنادية كامل، اي هي المخرجة والمؤلفة

الكنبة الحمرا
أي روعة

اسلام يوسف
فعلا. بس ممكن نناقش كل حاجة بهدوء ومن غير عصبية. المشكلة ان فعلا المسائل دي بتتحول لدين. ودا خطر جدا

مصطفى
اقراه زي ما بتتفرج على فيلم فيه امريكيين وانت عارف ان الجيش الامريكي في العراق. البشر حاجة والسياسة حاجة تانية

Nadia Kamel said...

بالراحة عليّ يا استاذ نائل، قرأت كلامك وكنت اضحك، ولكني اول مرة اقرأ لك، ما بقتش عارفة باضحك معاك والا عليك.. وبعدين قرأت كل التعليقات وردك وقررت اني باضحك معاك.. وشكرا لعمر غريبة.
اما عن الإسرائيليين فاعتقد ان علاقتهم بدولتهم زي اي علاقة بين الفرد والدولة، هل انا كنت ملكية ايام فاروق واشتراكية قومية ايام ناصر وانفتاحية ايام السادات، ومش عايزة ادخل في انا ايه النهاردة تحت الحكم ده؟ او انا استاهل اللي بيجرالي مادام قابلة مايكونش فيه ديمقراطية؟
سلطة بلدي عن ازاي بنفرز بعض في مصر النهاردة، خلصنا الفرز العرقي ودخلنا في الفرز الديني وخلصنا الفرز الديني ودخلنا بقى في التفاصيل، الفرز على اساس اللبس . المهم الفرز المتواصل في الشارع لحد ما بقينا مش طايقيين نفسنا حيث فرزنا نفسنا نفسها ولفظنا جزء كبير منها.
باي باي يا نائل

AG said...

أهلا نائل. المقارنة ليست محاولة لتفضيل فلسطيني على آخر بقدر المعاناة، فالأمر هكذا يصبح مضحكا. المقارنة عددية بين مليون و نصف في غزة و ملايين خارج الوطن. بلاش ننسى ملايين اللاجئين.

تحب أقعر الكلام و أقول أن الحرب ديمغرافية و أن حق العودة هو الحق الأساسي و المبدئي لكل الفلسطينيين، و أن لا عكس للصهيونية إلا بعودة كل العرب؟ شكلها أحلى كدا؟

الكهربا مصيرها ترجع غزة و الحصار مصيره يخف، و يا ريت نطبع احنا مع أهل غزة و اللاجئين فيها بدل ما احنا مقاطعينهم. ال مش مضمون فعلا هو عودة اللاجئين.

Anonymous said...

لعلّ ما قرأت هنا هو اجمل ما قيل عن الفيلم.
اسلوب رائع في الطرح وفي الغوص.
بكثير من الحكمة.

مع التقدير
ريتا