Friday, October 24, 2008

الخلطة السحرية أو القواعد العشر لشتيمة الرواية الذهنية

عزيزي الأديب والناقد الكبير:

أتيتني من أيام. هائش الشعر حزينا.. أشعلت سيجارة وشكوت لي من الرواية الذهنية الجديدة. وقتها ربت على كتفك وطلبت منك ألا تشغل بالك بها، فهي موجة وسرعان ما تنتهي، كما انتهت سابقاتها، وكما ستنتهي، إن شاء الله، لاحقاتها. وقتها أخبرتني أن الأمر صار أصعب من أن يتم السكوت عليه. وطلبت مني أن أسعفك.

وعليه، والتزاما مني بمبادئ الاحترام والمودة اللذين أكنهما لك، فإنني أمدك ببعض القواعد التي تتمكن بها من إنهاء أي أثر للرواية الذهنية في مصر والعالم العربي، وأنت جالس في مكانك، تحرك الأشخاص من مقعدك الثابت بالجريون:

أولا: قاعدة "ليكو راجل يترد عليه":

هاجم كونديرا. كونديرا هو أساس الرواية الذهنية وهو من لعب في عقول أولادنا حتى يمشيهم في سكة الغلط. كونديرا كان عميلا للغرب كما تعلم، وهو يهاجم الاتحاد السوفييتي بأوامر من الغرب. لا تلتفت لما أثير مؤخرا عن عمالة كونديرا للروس. هي مجرد أقوال تهدف للتشويش على الحقيقة الخالدة: وهي أن كونديرا كان، ولا زال، وسيظل، عميلا للغرب الذي هو ضد مصالحنا العربية، والرواية الذهنية التي كتبها، والتي يكتبها الأطفال هنا أيضا، تصب في نفس الهدف. أقول لك؟ سب الدين لكونديرا.

ثانيا، قاعدة "إحم، أنا آسف جدا، لكن مضطر اقول إن زبي ماوقفش":

من المهم بالنسبة لشخص قاسى الكثير في حياته مثلك أن يستمتع بانتصاب قضيبه بين الحين والآخر. الرواية الذهنية كما تعرف هي رواية ذهنية، وهذا يعني أنها لا تهتم بالجنس، وإذا اهتمت به فهذا سيكون لصالح أغراضها الذهنية البغيضة، وأنت إنسان يا باشا، وتحتاج لمن يثبت لك أنه لازال فيك الرمق، على صعوبة هذه المهمة، فأنت سنك كبير، وربما يحتاج الروائي لبعض الجهد حتى يجعلك تستمتع بالانتصاب اللذيذ إياه تحت بنطلونك. هذه النصيحة معقدة، لأنك عندما تلتفت إلى الرواية الحديثة بشكل عام، غير الذهنية، سيلزمك أن تهاجم الجنس فيها، ليس بوصفه جنسا طبعا –فأهلك لم يربوك على هذه الأباحة – ولكن بوصفه غير مبرر دراميا ولا فنيا، بوصفه (وهي كلمة أنت تحبها) "مجانيا". من المهم جدا التمييز بين قرفك من غياب الجنس وقرفك من وجوده، أي، من المهم جدا التمييز بين الرواية الذهنية وغير الذهنية.

ثالثا، قاعدة "أهمية اللحمة في المسرحية":

شوف. الروائيون الذهنيون غالبا ما لا تكون شخصياتهم من لحم ودم. وأنت تموت في اللحم والدم. هاجم الرواية الذهنية لأن كاتبها غير معني بأن "تصدقه" أو تصدق شخصياته. يعني بطل الرواية قد يرتكب عملا جنونيا مفاجئاً، مثل ارتكاب جرائم قتل متتابعة ضد أفراد من عائلة البستاني مثلا، لأن بطرس، جدها الأكبر، ترجم بشكل خاطئ إحدى جمل سفر التكوين. سيكون مجديا هنا أن تسأل الروائي عن مصدر السلاح الذي حصل عليه بطله، ومن أين توفر له المال لهذا وهو مجرد مدرس ابتدائي (جرس الإنذار يدق في عقلك: الروائي لم يذكر هذه التفصيلة لأنه يريد تجنب الحديث عن مشاكل العاملين بوزارة التربية والتعليم)، وسيكون مهما أن تسأله لماذا لم يتم اكتشاف جرائم البطل المتتالية من جانب أي أمين شرطة يمر في الشارع (هل أراد الروائي القفز على تفصيلات تتعلق بالتعذيب داخل أقسام الشرطة؟ هل يقبض الروائي مرتبه من وزارة الداخلية؟ هذا سؤال مشروع طبعا).

رابعا، قاعدة "إديله القاضية، في الحتة الفاضية":

الجهل السياسي للروائيين الذهنيين يستفزك. غير معقول مثلا أن يتحدث واحد منهم عن كرسي الاعتراف في القرن التاسع عشر بينما هو لم يستمتع بالجلوس مع عم إبراهيم منصور أو وهو لما يشوف كمال خليل لا يسلم عليه وبهذا يكشف عن كونه عبيطا بشكل لا يمكن السكوت عليه (أم أن هذا ليس عبطا، وأنه استعباط. بكلمات أخرى: هل الروائي الذهني موجه في هذا)!؟ وارتباطا بالملاحظة السابقة: لا يمكنك أن تهاجم الروائي الذهني لأنه عميل، فهو مازال طفلا ومش من دورك حتى تتعافى عليه، ولكن عليك أن تلمح دوما إلى أن روايته التي يكتبها هي تلك بالضبط التي يروجها السي أي إيه، ولا تنس في هذا الصدد معلومة أن نصف ميزانية البنتاجون تذهب لتمويل الرواية الذهنية في مصر. ابعد هنا عن ساراماجو شوية، فهو لن يفيدك، الرجل يساري عتيد حتى مع كونه يكتب رواية ذهنية. شوف: إعمل نفسك ما تعرفوش، ولو شفته ماتسلمش عليه، وبهذا تنتقم لكمال خليل في نفس الوقت.

خامسا، قاعدة "شايفك يا حرامي":

الرواية الذهنية – بطبيعة كونها كذلك – هي رواية مسروقة. وهي بنت التقاليد والثقافية الغربية وليست بنت عاداتنا وتقاليدنا، التي جاءت رواية جيلك أنت فقط لتؤكدها. وإذا كانت الرواية الذهنية مسروقة من الرواية الغربية، فالأجدى أن نقرأ الرواية الغربية نفسها، مش كدا؟ هنا ستضطر لتهدئة المسائل مع كونديرا، هو راجل طيب على كل حال، وهو كاتب كبير على كل حال، وهو المسروق منه على كل حال. والمشكلة فقط فيمن يسرقونه هنا. فتش عن تليفون ناشره. حذره من اللصوص المصريين لكتبه. قل له أن حالة السرقة واضحة: فهو، أي كونديرا، يفكر، والروائي الذهني، أيضاً، يفكر. أرسل تحذيرك في مسج للناشر. واجلس في بيتك منتظرا رد الفعل.

سادسا، قاعدة "أهم حاجة الشباك":

أنت حبيب الشعب. ولقد عملت، وتعمل، وسوف تعمل، من أجل عيون الشعب الطيبين. الرواية الذهنية هي رواية بلا شعبية، وهي صعبة على الشعب، وهي تسهم في تعميق الفجوة بين الأدب والشعب – وهي الفجوة التي قام جهدك كله، عبثا، على هدمها. وإذا حدث وصار لرواية ذهنية ما شعبية، فهذا لا يعني أنها اقتربت من الشعب، سيخدمك هنا أن تتشنج قليلا، وتقول إن الشعب الحقيقي لا يفهم هذه الألغاز، (وتناس قليلا أن الشعب الحقيقي لم يفهم أعمالك أنت أيضا، حتى على الرغم من كونها ليست ألغازا). أنت مخلص لتاريخك بالمناسبة، والذي قام كله على أن تطالب للشعب بالأشياء التي لا يريدها الشعب، أو حتى التي يكرهها الشعب.

سابعا، قاعدة "أنا لو وقعت أسامي كبيرة أوي هتقع معايا":

وسع رقعة المعركة.. الحرب لا تدور رحاها في القاهرة فقط، والحل ليس لبنانيا لبنانيا، كما تعرف. ورط جميع دول العالم في ما يحدث. أمام كافكا وبورخس وكونديرا وصمويل بيكيت وآلان روب جرييه، لا تمل من ترداد أسماء أخرى بعينها، لكي توقف الأسماء المذكورة عند حدها. ردد أسماء مثل تولستوي وتشيكوف وهيمنجواي، وفي حالة كونك ناقدا أريبا فاضرب بدوستويفسكي الجميع، ومن الذي لا يحب دوستويفسكي!؟ وعرضا، بجانب هذه الأسماء، اذكر محفوظا. محفوظ كاتب عالمي ولا حرج إن استعملته في حرب الكواكب التي تديرها من أتيليه القاهرة. السن مهم في هذه الحالة، فكونديرا وبول أوستر مثلا هم عيال، على الرغم من أنهما قد يكونان أكبر منك سنا، وكونهما عيالا يجعل لك كلمة عليهما. ومن المؤسف، بهذه المناسبة، أنك لا تستطيع اعتبار كافكا عيلا، على الرغم من أنه مات عيلا فعلا. قلبي عندك.

ثامنا، قاعدة "اللهم اهلك الظالمين بالظالمين":

أنت بالطبع، كما يليق باي شخص يعمل بالثقافة، تحقد على علاء الأسواني. هذا حقك الطبيعي، ولا جدال في مشروعيته. ولكن سوري، علاء الأسواني لا يمثل خطرا، أما الرواية الذهنية فهي تمثل خطرا. هكذا ستحسب جيدا انتماءاتك ومصالحك وتقرر أن تضرب نموذج الرواية الذهنية بنموذج علاء الأسواني، وتعلن أمام حشد من الروائيين الذهنيين أن الأسواني عاد للشعب فأحبه الشعب. اللعبة معقدة. ستبرق عيون الروائيين الذهنيين حقدا، سينصرف بعضهم إلى كتابة الرواية الأسوانية والتخلي عن الرواية الذهنية، وسينصرف البعض الآخر إلى محاولة تشويه وتحطيم صورة علاء الأسواني. وفي الحالتين أنت الكسبان، بنظرة البراءة في عينيك والتي أتمنى أن تلازمك في الأيام الصعبة القادمة.

تاسعا: قاعدة "اعترافات ليلية":

هناك بعض الوصمات في تاريخك. فأنت بدأت عملك معادياً للجمهور. وأنت بدأت عملك بما تصورته وقتها تجريبا. وأنت بدأت عملك رافعا لشعار "لا للحدوتة"، أي أن عملك من البداية كانت له بعض مواصفات الرواية الذهنية، إذا وسعنا المصطلح شوية بسيطة. ما الذي تفعله في هذه الحالة؟ حسنا. تبرأ من تاريخك الأسود. ولكن تبرأ بحب، بروعة، بإشراق. ابتسم بحنين: "ياااااه. كم كنا سذجا. كم كنا ثوريين". هذا الحنين والتعاطف مع الماضي الأسود ليس أبديا. هو ينقلب إلى ثورة عنيفة ضد من يتصورون أنهم يكتبون تجريبا اليوم. الخطأ من حقك أنت وحدك. استخدم سحر الشيخوخة في هذا. وعلى قدر مهارتك، والأهم: على قدر سنك، سيتعاطف من أمامك معك.

عاشرا، قاعدة "فعلا، هو حلال علينا حرام على غيرنا":

متصلة بما سبقها. الذهنية ليست غلطا في المجمل. لاحظ أنك قطعت السرد كثيرا في رواياتك، لتكتب عن سحر الاشتراكية، وعن ثورتك ضد عبد الناصر وحبك له في نفس الوقت، وعن السد العالي وعن انقلاب السادات على ناصر. راجع جميع رواياتك وروايات زملائك، إعمل جردا بالمواضيع التي أوقفتَ السرد عندها وكتبت تأملات مجردة. وهي مواضيع كثيرة، لسوء حظك، لا تبدأ بحريق القاهرة ولا تنتهي عند حروب الخليج. المهم. أصدر أنت وزملاؤك مانيفستو جديدا يشرح أن هذه المواضيع فقط هي التي يمكن التوقف عندها وكتابة فقرات ذهنية، (ومن المهم جدا أن يكون الموقف السياسي للكاتب واضحا في هذه الفقرات، وأن يكون متسقا، ومتطابقا، مع الموقف العام للمثقفين المصريين)، وعندئذ فلن تسمى تلك الكتابة "كتابة ذهنية"، بل ربما يطلق عليها في المانيفستو: "سردا تأمليا رائقا لأوضاع الوطن"، وهو وصف أظرف وأشيك بكثير، كما تلاحظ، من بديله المرعب "كتابة ذهنية."

Friday, October 17, 2008

لقاء السحاب: في تعريف مصر والمصريين

"عام 92. قهوة شعبية في شبرا، رمز مصر العنيد. أوسؤس وطفطف قاعدين مع بعض. يشيشان ويتبادلان الكلام حول فيلمهما القادم والسابق"

أوسؤس سرحان. يفكر في معضلة كبيرة. وجهه مهموم:

"ولا يا طفطف. فاكر من تلات سنين؟"

(ابتسامة حنين) "ودي حاجة تتنسى يا أوسؤس؟ (يستدرك) بس ايه اللي فكرك بالموضوع دا دلوقتي."

"امبارح قعدت افكر مع نفسي.. طلع إننا كنا غلطانين يا أبو الطفاطيف. وغلط كبير كمان."

"ازاي بس؟"

"احنا اتكلمنا عن الوطن، عن الجيش والعساكر ، الظاهر إنه ماكانش لازم نتكلم عليهم، المشكلة أكبر منهم بكتير، احنا كدا زيفنا وعي الجماهير اللي دخلت فيلمنا."

"ليه يا جدع؟ احنا مجتمع مهزوم ولازم نتكلم عن الهزيمة ونعرف مين اللي هزمنا. مش هو فرج الاكتع اللي هزمنا؟ مش هو اللي هزم حسن ونعيمة وسرق مرتبات العساكر وهما بيحاربوا؟"

(لحظات صمت. لا صوت سوى كركرة ماء الشيشة ولا حركة سوى حركة الدخان الطالع بقوة من أنفيهما وفميهما)

"ماتزعلش مني يا طفطف. احنا بنفكر مع بعض. أنا بفكر ان الاسرة المصرية هي اللي اتهزمت أول حاجة ف البلد دي، مش الجيش والعساكر، المجتمع انهار لما الأسرة انهارت."

(طفطف يفكر. يعاني مشكلة في التفكير) "طب فهمني. دي فكرة صعبة أوي."

"افهمك. انا ابني امبارح اشترى له قميص بخمسين جنيه. طيب. افرض انا كاتب كبير وبكتب مسلسل ميت حلقة في شهرين. بس يعمل إيه رب الأسرة المصرية. فهمني؟ هو حتة موظف غلبان."

(يبدأ في التقاط الخيط) "مافيش غير إنه يرتشي طبعا."

"طب وافرض إنه شريف."

"يبقى يرفض الرشوة لحد آخر لحظة (تبرق عيناه بفرح جنوني) فهمتك يا أوسؤس يا جامد. فيلم جديد. رب الأسرة المصرية اللي هو موظف غلبان لكن ابن بلد وجدع، يرفض الرشوة لحد آخر لحظة، يقوم رجال الأعمال المجرمين حاطينله حتة حشيش ف بيته علشان يأدبوه. وف المحكمة ييجي وفد من المحامين العرب يتضامن معاه. الله عليك يا كبير."

(أوسؤس لا يشارك طفطف فرحته الجنونية. ملامحه هادئة ومستسلمة وحزينة) "ياريت دا كان الواقع يا طفطف. الواقع إن الأسرة المصرية مهزومة في أخلاقها. مهزومة في مبادئها. مهزومة في شرفها."

(دقيقتان من الصمت حدادا على شرف الأسرة المصرية. طفطف مازال محتارا. حتى وهو عامل نفسه متأثر)

القسوة

طفطف:

"طيب يا أوسؤس. إيه الحل. إزاي الموظف هيجيب لابنه قميص بخمسين جنيه؟"

"أنا لما كنت بقول إن الأسرة المصرية اتدمرت أنا ماكنتش ببالغ يا طفطف. أنا كنت اقصد كل حرف قلته. الواحد دلوقتي بقى يسمع عن بانجو وهيروين ومخدرات وبنات بترقص مع الشباب وحاجة تغم. جيل يقرف والله يا طفطف. (صمت) أنا شايف الحل الوحيد اللي بيبقى قدام أي بيت من الطبقة المتوسطة إن الولد يدمن المخدرات. والبنت تبيع جسمها في الأوتيلات أم خمس نجوم."

(يتهدج صوته) "لكن دا حل قاسي أوي."

"مش أقسى من الواقع صدقني."

(بعنف. بثورة. بعيون دامعة) "لأ. أقسى. انهزامي. وسوداوي. ومش ثوري."

(الناس في القهوة ينظرون ثم يعودون إلى مصالحهم. طفطف يشعر بالخذلان عندما لا يجد هناك أي رد فعل على وجه أوسؤس الذي يواصل الاكتئاب: مهنته النبيلة)

"إحنا سممنا أفكار جيلنا بالحلول الثورية. الواقع دلوقتي بقى يتجاوز كل خيال يا طفطف."

(شحنة الاكتئاب تنتقل إلى طفطف) "طيب والحل؟"

"مفيش حل. احنا مش لازم نزوق الواقع. مش دا مبدئك لما رفضت تشارك في أفلام المقاولات اللي بتزيف الحقيقة وبتشوه الوعي؟"

(طفطف ينظر له بامتنان وبنوع من العرفان لأنه حافظ تاريخه المشرف. ثم يسرح بعيدا. فجأة ينتبه) "يبقى الأب موظف. متهم بالرشوة. الأب مرتشي. الابن مدمن. البنت شرموطة. ثلاثي هايل لفيلم. للأسف معاك حق، (وبحزن وبنبرة اعتراف) واضح إن هي دي الأسرة المصرية دلوقتي."

(ينظر لـطفطف.. لأول مرة يتسلل الحماس إلى صوته) "خلي بالك يا طفطف. الأب مش مرتشي. الأب دا من جيلنا. يعني راجل طيب ومؤمن بالمبادئ. ماينفعش يبقى مرتشي."

مراجعة النفس

طفطف:

(يسرح بعينيه بعيدا. في الماضي السحيق. فلاش باك. صور لجنازة عبد الناصر. صور لزيارة السادات للقدس) "لكن جيلنا مش بريء. جيلنا شاف الغلط وماتكلمش."

"يبقى جيل معرص يا كبير. لكن مش هو اللي باع نفسه. هو شاف البلد بتبيع نفسها وسكت."

(طفطف يكتب بأصابعه في الهواء كأنه يكتب مانشيت صحفي) "الأب يشعر أن ابنته شرموطة ولا يتكلم لأنه يحتاج للفلوس. الابن مدمن مخدرات."

(يشاركه أوسؤس في الكتابة على الهواء) "الأب متهم بقضية رشوة، أو قضية سرقة، ولكن الحقيقة أن الابن هو الذي سرق، والأب الطيب – ابن جيلنا المحترم – هو الذي بيلبس."

(ينظران لبعضهما. نظرات طويلة ومعبرة. لقد استطاعا الوصول إلى صيغة مناسبة لفيلمها القادم، واقعية وتضع أصابعها على الجرح الحقيقي الحاصل في نسيج المجتمع المصري. لحظات صمت مشحونة بالعواطف. بعدها:

"تعرف يا طفطف. أنا واحد صاحبي لسة جاي من البلد الاسبوع دا. اخر مرة جا فيها القاهرة كانت من عشر سنين. هو نفسه لاحظ التغير اللي حصل ف اخلاق الاسرة المصرية."

(طفطف يفكر. هناك سؤال يحرقه ولكنه لا يجرؤ على توجيهه. في النهاية يتغلب على تردده) "وهو الأسرة اللي عنده ف البلد مش أسرة مصرية ولا إيه.. يا أستاذنا؟"

(يضحك بشدة حتى يسقط لي الشيشة من يده) "لا لا لا. انت فكرك راح فين؟ انا لما باقول الاسرة المصرية يعني الاسرة اللي قاعدة ف مصر، القاهرة يعني. هي دي الاسرة اللي اتغيرت. مش اي اسرة تانية خلي بالك."

منذ 86، مياه كثيرة جرت

طفطف:

(يردد عدة عبارات يتذكرها كلما جت سيرة الأسرة المصرية القاهرية) "أسرة مصرية. طبقة متوسطة. موظفين. ناس غلابة، لكن مستورين. بطالة. مبادئ. جامعة. مظاهرات. شباب مش عارفة تتجوز. بنات مش محجبين بس محترمين. الاسرة المصرية: الاب والأم بيتفرجوا على الشيخ شعراوي ف البيت. الشاب بيكره الشيخ شعراوي لانه مش بيحل له مشاكله."

(أوسؤس ينظر له بتشجيع) "يبقى انت فهمتني دلوقتي يا طفطف. فين أيام الحب فوق هضبة الهرم. فين أيام ستة وتمانين دلوقتي. احنا بقينا اتنين وتسعين. الاسرة المصرية اتغيرت كتيير."

"ومين اللي هيلاحظ دا، مين المعادل الموضوعي لصاحبك اللي جاي من البلد؟"

"الولد، اللي هو كان ابن الاسرة المصرية قبل ما تتغير. الولد الشاطر اللي بيروح يدرس برة وعاوز ييجي يغير مجتمعه، فيفوجئ بهزيمة الأسرة المصرية."

(بنظرة تأنيب خفيفة ولكن معبرة) "عاوز يغير مجتمعه ولا يرجعّه للأصله.. يا صاحبي؟"

(بنظرة خجل وندم وعرفان) "معاك حق ف دي.. يرجعه لأصله ياكبير."

جه وقتك يا تفاصيل

طفطف:

"الولد دا يبقى نور الشريف. انا بحب الولد دا موت، كل ما اشوفه والله بافتكر الاسرة المصرية المتوسطة."

(يجرب نطق بعض الكلمات على لسانه) "ثناء. سناء. وفاء. آلاء. علاء. ولاء. (ثم يلتفت لطفطف) الأخ الكبير. اللي سافر ونجح هو سناء. دكتور سناء. واخته ولاء واخوه علاء. الأب اللي اتهم بالسرقة يطلع براءة، عشان هو راجل شريف. والابن المدمن الحرامي يدخل السجن والدولة ترجع لها هيبتها. والبنت اللي بتبيع شرفها تنتحر وتخلص الأسرة المصرية الطيبة من عارها."

(لحظات صمت. بعدها يهتفان سويا بصوت عال وهما يخبطان أكفهما في بعض) "هو دا الكلام. هي دي اللحظة الثورية."

(يواصلان النظر لبعضهما بمحبة وامتنان للقدر الذي جمعهما مع بعض. في النهاية يضع كل منهما يده في يد زميله وهو يردد: على بركة الله. نسمع صوت سورة الفاتحة يتمتمان بها ممزوجة بزغاريد من الجمهور، رواد القهوة الطيبين)

***

*****

*******

وهكذا كانت ولادة فيلم "دماء على الأسفلت"، قوية، مبهرة، وملأى بالدلالات والمفاجآت.

Saturday, October 11, 2008

نائل يحب التدوين

نائل يحب التدوين، والمدونات، والمدونين، وهو يرى أن المدونات سوف تعمل نقلة جامدة في تاريخ مصر.

نائل يصحى الصبح فيبحث في كل المدونات الجديدة، ويضيف أصحابها على المسنجر، وبهذا يتمكن من صنع شبكة علاقات اجتماعية كبيرة لا تخرج عن المدونين، وعندما يقابل شخصا جديدا على البورصة يبادر بسؤاله هل أنت مدون فإذا كان مدونا سيجمعهما الكثير جدا مما يمكن الحديث عنه وهو – بإذن الله – أكبر مما يفرقهما، وإن لم يكن مدونا يسأله نائل لماذا ويظل يتحدث طيلة القعدة عن التدوين حتى يقتنع صاحبه بأن التدوين حاجة عظيمة فيقرر إنشاء مدونة، وعندئذ لا يكون نائل قد جلس معه هباء، فالأخ مدون باعتبار ما سيكون.

نائل يدور على جميع الناشرين فيقنعهم بأهمية التدوين، ويحدثهم عن نماذج دار الشروق كثيرا، حتى يقرر الناشرون نشر كتب للمدونات، وحينها يبتسم نائل راضيا، لأنه فاز بكون المدونات أخيرا سترى النور وسيعرض للنور هذا العالم السحري المتمثل في تلك الكلمة السحرية –مدونة، بخمسة أحرف أفقية التكوين لي: ميم المتيم والميتم والمتمم ما مضى، إلخ إلخ – ولأنه بهذا استطاع تقديم خدمة لإخوانه المدونين، وبهذا فقد استحق لقب عمو نائل، وقد ناله بالعرق أخيرا وليس لأن أخاه اجتهد فخلف ولدين.

نائل يرى التدوين ملة واحدة، والمدونون جميعا إخوة وشعبه الحبيب، وهم جسد واحد إذا شكا منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، ولذا فجزء كبير من وقته يضيع في كتابة البيانات دفاعا عن مدون أو مدونة، أو هجوما على محام رفع قضية على مدون أو مدونة، وهو لا يفعل هذا مع الصحفيين، ولا مع الإعلاميين، ولا مع الكتاب، لأن التدوين نقلة جامدة في تاريخ الصحافة والكتابة، ونائل لا يدافع إلا عن أصحاب النقلة الجامدة، ولا يحب غيرهم، أو على الأقل، هو غير متحمس لهم، أو غير مهتم.

نائل مشغول هذه الأيام بمحاولة إقامة تجمع لمدوني العالم، أفريقيا وأسيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية والشمالية وأستراليا، وهو لا يعرف كيف يصل إليهم، ولكه يؤمن أن أي شيء يبدأ صغيرا ثم يكبر، ولذلك بدأ في الفيسبوك بإقامة جروب لمدوني الشرقية، وهو ينتظر رد الفعل على هذا الجروب، حيث سيكون خطوة جيدة لتعريف مدوني فلوريدا بمدوني ديرب نجم، ثم سيكون خطوة لكي يقيم مدونو فلوريدا جروبا باسمهم على الفيسبوك يكون هو الأدمن بتاعه. وبالتالي سيتمكن نائل من تنفيذ حلمه القديم، وهو صالون أسبوعي لكل المدونين في كل الدنيا، حيث يقعدون على قهوة البورصة، ويتحدثون عن شئون التدوين والمدونات، ولإصراره على تنفيذ هذا الحلم فإن كل المدونين يحبوه ويعتبروه أبوهم الروحي، وهو يتكلم على طول باسمهم، لأنهم عمرهم ما هيكسفوه ويقولوا له لا تتكلم باسمنا.

نائل في كل الندوات والمؤتمرات التي يحضرها دائما ما يواجه الضيف والمحاضرين بسؤال واحد وهو عن علاقتهم بالمدونات وهل يتابعون ما يحدث في عالم التدوين أم لا، وإذا أجابوا بالنفي يعود إلى البيت على الفور ويكتب تدوينة عنهم، تكون ساخرة وحادة وقوية ولا تهادن. ولهذا فهو يتعرض هذه الأيام لحرب شرسة. فلقد حاول الدخول مرة على مدونته ولكن النور قطع، وعندما عاود المحاولة في المساء كان النت واقع. ولقد أصدر نائل بيانا يرجع فيه هذه الحرب إلى محاولته الدؤوبة والمستميتة للدفاع عن المدونين، ولمواقفه الصلبة ضد أعداء التدوين ولمحاولته جعل التدوين قلعة صلبة لكل الشرفاء الراغبين في الحرية والمؤمنين بها. وهو عندما يحدث أحدا من الصحفيين عن هذه المحاولات لقمعه لا يبدأ الكلام بذكر اسمه. هو لا يقول مثلا "نائل يتعرض للقمع"، وإنما "المدونون يتعرضون للقمع". وهكذا ينشر الخبر في الصحافة المصرية. أما الصحفيون الأجانب فيبدأ نائل كلامه معهم عن نفسه بالقول "المدونون المصريون يتعرضون للقمع"، لأن مواقف نائل أبدا لم تكن شخصية أو ذاتية، ولهذا يحترمه جميع المدونين.

نائل يمشي هذه الأيام شريدا هائما عصبيا ويصرخ بعلو صوته في الشارع أن الفيسبوك لم يأخذ الناس من المدونات، بنفس العصبية التي كان يصرخ بها قبل أشهر بأن التدوين أجمل من الصحافة، برغم أن أحدا لم يسأله في الحالتين، أو أنه أحيانا ما يُسئل، وأحيانا ما لا يُسئل، ولكنه في الحالتين يجيب، وبنفس القوة والوضوح والصراحة والألفاظ التي لا تحمل إلا معنى واحدا.

Friday, October 03, 2008

نداء أخير إلى أم ماريو وآندرو: دا الإسلام دا دين جميل والله

في الفيديو، الذي قام بتصويره موقع أقباط متحدون وأتاحه للتحميل على صفحته الرئيسية، تندهش السيدة كاميليا –أم ماريو وأندرو- لسير إجراءات المحكمة، تشير إلى الزوجة المسلمة لطليقها:

وبعدين جاية بتشهد بتقول ايه، بتقول ان هي، بتشهد على اسلام مدحت. القضية، فعلا الحكم تشوفه تلاقيها دي قضية اثبات اسلام، مش قضية ضم خالص، ماحدش اتكلم عن صلاحية الاب للضم للحضانة، كل الكلام على انه مسلم او مش مسلم . كون ان هو صالح للحضانة ولا مش صالح، كون ان نفسية الولاد اللي انت بتسحبهم وبتنزعهم من والدتهم وبتديهم لمرات الاب علنا، ماشفتهاش انا ف قضية ضم، منافية لكل القواعد النفسية بتاعتي كمان.

***

معلش يا دكتورة. قلبي معاكي والله. انا كمان زعلان، لبش وكلام فارغ. الإسلام دين السلام، دين مالوش ف اللبش، بس ساعات اللبش بيبقى ضروري، هانعمل إيه بقى؟

اسمحيلي بس ألفت نظرك لخطأ بالغ حضرتك وقعتي فيه: حضرتك متضايقة إن المحكمة كات بتتكلم عن اسلام الأب مش عن الحضانة، اللي هي أساس الدعوة. ودا لإن تفكير حضرتك، يعني ممكن نقول، قاصر شوية، يعني مابتشوفيش المسائل من كل النواحي، وإذا شفتيها مابتربطيش بينها، زي ما احنا بنعمل.

المهم، خليني افكرك بمعلومة: أنا كمسلم، راجل بؤمن باليهودية والمسيحية والإسلام، بينما حضرتك كمسيحية بتؤمني بالمسيحية واليهودية بس، صح كدا؟ يعني أنا في الإسلام عندي حتة جامدة بتقول: "لا نفرق بين أحد من رسله". يعني إيه بقى، يعني انا عندي سيدنا عيسى زي خير الخلق أجمعين رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، خدتيلي بالك من سماحة الإسلام!؟ يعني انا لما اكون لامؤاخذة أب مسلم يبقى أنا مؤتمن على ابني، حتى لو كان مسيحي، لأن لو هتقولي لي يا مسيحية اقولك انا مسيحي احسن من اتخن تخين ف الكنيسة بتاعتكو. شفتي بقى الكلام!؟ ليه بقى؟ لأن انا عندي الانجيل الصحيح، مش المحرف، وعندي ان سيدنا عيسى عليه السلام قال ابشركم بنبي يأتي من بعدي اسمه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقالوا كيف يا سيدنا عيسى فقال هو كدا. بينما انتو الناس القساوسة بتوعكو ضحكو عليكوا وقالولكو مافيش الكلام دا، وبعد كدا يرجع يقولك ايران دي عندها سلاح نووي. الله! ماتشوفوا اسرائيل ولا جيتو عندها وعميتو!؟ مافيش بيننا زعل يا ست كاميليا احنا بنفضفض.

الإسلام دا دين عقلاني، ورسول الله عليه الصلاتو والسلام قالك يكون عهد على أمتي يكونون فيه كثرة فقالوا كيف يا رسول الله فقال كثرة كغثاء السيل. يعني بالبلدي كدا علشان اقربلك التشبيه اقولك العدد ف اللمون. معناه ايه الكلام دا؟ معناه ان الاسلام مش هيزيد بواحد يدخل فيه ولا هيقل بواحد يخرج منه. ولذلك تلاقي زي ما حضرتك قلتي، الناس ف المحكمة كانوا بيثبتوا بالادلة والبراهين القاطعة ان الراجل جوزك كان مسلم بجد، مش مسلم اي كلام، مع ان كان سهل اوي الراجل اول ما ينطق الشهادتين يبقى كدا حاجة حلوة والناس تفرح وتنبسط وخلاص على كدا، انما لأ، المسلمين دول ناس منطقيين. ويبعد كدا يرجع ويقولك الاسلام انتشر بحد السيف. حسبي الله ونعم الوكيل. (شخرة) سيف ايه يا ولاد الشرموطة!؟ (ثم بابتسامة)، احم، ماتزعليش مني يا ست كاميليا. الواحد مش متمالك اعصابه م اللي بيشوفه والله، والفضائيات والفيديوكليب والإنترنت بتساهم في تغييب جيل الشباب دلوقت .

والله العظيم انا زعلان علشانك يا أبلة، يرضي مين دا يا اخواتي أم تتحرم من ضناها بس؟ ف شرع مين؟ لكن ارجع واقولك يمكن ربنا يكون مقدر لعيالك يتربوا ف بيت إسلامي صحيح علشان يشوفوا بعنيهم سماحة الإسلام. وبعدين يعني فيه كلمة بصراحة حارقاني وعاوز اقولها وابقى بنافقك لو ماقلتهاش: يعني لما الاولاد يكتبوا ف ورق الامتحان انا مسيحي دا يعني ايه؟ يعني مستكبرين يعني يبقوا مسلمين!؟ ولا مفتخرين يعني بموضوع المسيحي دا !؟ والنبي خلي الواحد ساكت يا ست كاميليا دا البني ادم مننا معبي م اللي بيشوفه. وابقي علميهم ان دين الاسلام دا احسن دين، وانه حبيبي وحبيبك رسول الله دا خاتم الانبياء والرسل والبشر أجمعين.

وبعدين يعني (بغمزة) سيبك من كلام الستات دا والراجل اتجوز ولا ماتجوزش، ياباي، هئ هئ، على غيرة النسوان!! الراجل عندنا ف الاسلام من حقه طالما بيعدل ما بين ستاته يجوز مثنى وثلاث ورباع، ليه بقى؟ لإن الرجال دول قوامون على النساء، شفتي الرحمة اللي ف دين الاسلام؟ ولا اقولك عاللي احسن من دا ومن دا، لنفرض يعني، يعني مثلا، إنك أعلنتي إسلامك بكرة الصبح، حد هيبقى له عندك كلمة؟ مش انتي متخانقة مع الراجل عشان هو مسلم وانتي مسيحية. طب ما تعلني اسلامك. دا الاسلام دا دين جميل. بس جربيه انتي. وساعتها ولا حد هياخد عيل من عيالك، ولا حد هيمشي كلمة عليكي، باستثناء طبعا جوزك وابوكي واخوكي الكبير وابنك لما يكبر وشيخ الجامع وأولي الأمر وباقي الرجالة. بصي. انا مش عاوزك تردي دلوقتي. خدي وقتك وفكري فيها. عندك مصحف ولا اجيب لك المصحف بتاعي؟ دا الإسلام دا دين جميل واللهي.