Friday, May 25, 2007

الكذبة اللبنانية



في نهاية الامر، وبعد انتهاء كل شيء، أي، بعد ما التاريخ يقعد ويقول كلمته ويدي درجات لكل شعب من الشعوب، هتبقى العشرة على عشرة في النهاية من نصيب الشعب اللبناني. التاريخ هيبقى زهقان. هيكتب جملة مختصرة جنب العشرة على عشرة: لم يفعلوا اي شيء
طبعا تعليق التاريخ مختصر، اما الاجابة المطولة فهي: لم يفعلوا اي شيء سيء، لانهم مجرد اختراع، أو افتكاسة، أو، إذا شئتم، كذبة عظيمة. خلونا نفتكر ان لبنان، او بالاحرى، الشعب اللبناني، ماكانش له اي دور في الصراع الاخير بين الجيش اللبناني وبين حركة فتح الاسلام، اللي هي فلسطينية، او اردنية، أما الجيش اللبناني فهو بيخدم مصالح اسرائيلية طبعا، لانه بيحارب الفلسطينيين، يعني لا داعي للتشكيك في اسرائيليته يا إخواني في الله. السذج بس هم اللي فاكرين ان الضرب دا حصل في لبنان
من ايام الحرب الاهلية في لبنان الفلسطينيين مظهروش هناك. في الفترة ما بين الحرب ولغاية الضرب دا، كان فيه ناس تانيين موجودين في لبنان: ايرانيين وسوريين واسرائيليين وفرنسيين وامريكان بالاساس. طبعا لا نعدم برضه وجود ناس تعتقد ان الحرب الاخيرة دي حصلت في لبنان، سوري يا جناتل، كلنا عارفين ان الحرب كانت في الاساس بين سوريا واسرائيل على ارض لبنان المقدسة، او، اذا حبينا نشم هوا في حتة ابعد شوية، فهي كانت حرب بين امريكا وايران، أما لبنان المسكين، لبنان الطيب، فهو مسكين وهو طيب، بالبداهة يعني. يعني باختصار هو غير موجود. حتى في المظاهرات المليونية اللي كانت بتطلع بين حزب الله وبين اربعتاشر اذار، ماكانش للبنانيين علاقة بيها، حتى وان كانت المظاهرات دي، حسب تقديرات الفضائيات، ضمت اكتر من اتنين مليون لبناني، يعني اكتر من نص الشعب اللبناني نفسه، كلنا عارفين انها كانت عبارة عن عملية تطليع لسان بين سوريا، اللي عاوزة جيشها في لبنان، وفرنسا، اللي مش عاوزة جيش سوريا في لبنان. كيد للعوازل، قرش ملحة متبادل، هذا هو المصطلح الاكثر دقة للتدخلات الخارجية على ارض لبنان وترابه الطاهر، النظيف، الشريف والعفيف
بعد كل دا من حقنا نسأل طبعا: هو الشعب اللبناني بيشتغل ايه؟ الاجابة يا حضرات: الشعب اللبناني مش فاضي يشتغل. بيذاكر. بيجتهد، علشان في النهاية يطلع الاول في امتحان التاريخ، بصفته الشعب الاول الذي لم يفعل اي شيء في حياته


لمزيد من المعلومات يرجى مراجعة الرفيق زياد رحباني في هذا الشأن

Friday, May 18, 2007

اوضاع غير جيفارية

من التراث المصري: بعد اي تنضيف للبيت، تنهيدة ارتياح على لسان ست البيت ويليها: النضافة حلوة برضه. فيه ستات بيقولوا الجملة دي مجرد ما ينضفوا اي حاجة. برغم ان الجملة مش كدا، الجملة المفروض بتتقال بعد فترة طويلة من الوساخة، اللي بعدها ممكن تحس ان فعلا النضافة حلوة برضه، مقارنة باللي قبليها، والست لما بتقول الجملة دي عمال على بطال عاوزة تخلق باثر رجعي، شهورا من القذارة العظيمة، شهور كان فيه البيت مقلب زبالة قبل ما تبدا في التنضيف، علشان تحس بروعة الانجاز. هي كدا استريحت يعني لما قالتها؟ ماشي

من حوالي اربع سنين، لما خلصت البحث اللي كان المفروض اعمله في تمهيدي ماجستير، رحت اسلمه. دا كان في اخر يوم بالزبط لتقديم البحوث. كنت كاتبه على الكمبيوتر، رحت لمحل طباعة. صاحب المحل كان بيقفل وماشي. اتحايلت عليه شوية لغاية ماقدرت اقنعه بفتح المحل، وهناك شرحت له معضلتي الوجودية: البحث بكتبه بقالي خمس تشهر. ولو ماكنتش قدرت اطبعه النهاردة كان يبقى كإني معملتش حاجة. الراجل كان بيسمعني بنص تركيز. في الحتة الاخرانية قال: فهمتك. يعني تعبك كان هيروح هدر

اللغة مش حاجة نازلة من عند ربنا، اللغة احنا اللي اخترعناها، هي حاجة احنا بنشتغل عليها كل يوم، وعلشان نعمل حاجة جديدة لازم تكون على مقاس حاجة قديمة. صاحب محل الطباعة مفهمش كإني معملتش حاجة. اضطر يشتغل شوية في ترجمتها. وصل في النهاية للتعبير اللي هو فاهمه وهو ان التعب هيروح هدر. اللغة مبيحركهاش المنطق في الغالب انما النماذج الموجودة. احنا بنحسب صحة الكلمة ولا لا على حسب هي اتقالت في القران ولا لا. لكن فيه مشكلة بسيطة: القرآن فيه مثلا غلطات في النحو، مثلا فيه كلمة خاطئون، وهي كلمة مش صحيحة لغويا، لان مفيش فعل ف العربي اسمه خطأ انما فيه فعل اسمه أخطأ ويبقى اسم الفاعل منه مخطئ. بس النحو اتعمل قياسا على القرآن، والقرآن مكتوب قياسا على لغة اهل قريش، وكل حاجة بتتبع اللي سبقها بغض النظر عن المنطق. اللغة هي اللي بتخترعنا وبتخلقنا، بتحبسنا جوا تاريخها، جوا حاجة اسمها الايديوم، وتسد علينا الطريق لحاجة تانية مشكوك فيها اسمها المنطق

كل دا علشان اوصل لسؤال واحد: مين ممكن يصدق ان جيفارا بيتنطق اسمه بالجيم القاهرية، مش الجيم الشامية، بالجي مش الجيه، بعد ما حبسناه جوا الجيم الشامية اللي شكلها اشيك؟غير دا. مين ممكن يصدق ان جيفارا قاعد بيضحك زي الاهبل والحزام والبنطلون مبينين كرشه بعد ما فك زراير بدلته؟ او انه شخص وسيم حليق الشنب والدقن لابس بدلة، أو إنه بيلاعب ابنه زي اي موظف في قلم الحسابات، بعد ما الصورة، وهي اختراع توأم للغة، حبسته ف دقن معفنة وطاقية النجمة الدهبية وعينين باصة لبعيد، ثوري حالم بمشيئة الله








Friday, May 11, 2007

سليمة. من عبدتك بعد ربي


أرى سلمى بلا ذنب جفتني/ وكانت أمسٍ من بعضي ومني


سلمى تجافيه، وهو يسعى لاستعادتها، برغم أنها كانت جزءا منه. دعونا نرى كيف سيحاول استعادتها. ذاك المحب العكروت


كأني ما لثمـت لهـا شفاهـاً/ كأني ما وصلت ولم تصلنـي


الشفاه موطن الذكرى، القبلة وعد بالوصل الدائم. طباعة الشفتين على الشفتين، ختم لا ينمحي أبدا، أو هكذا يقول المحب. القبلة مكان لكسر العين، لاستعباد المحبوب، لضمه إليك طول العمر


كأنـي لـم أداعبهـا لعوبـاً/ ولم تهف إلـيّ وتستزدنـي


رغبة المحبوب وعد آخر، المحب يمتلك محبوبه عبر رغبة الأخير فيه. وإن تحولت الرغبة أو تبدلت أو تغيرت فلا يغيرن هذا من أمرنا شيئا، نظل نطالب المحبوب بما كان لنا يوما، بأمارة ما انت اللي كنت عاوز يا روح امك


كأن الليل لم يرض ويرو/ أحاديث الهوى عنها وعنـي


الآخرون أهم عناصر الحب، بهم يخرج الحب عن سريته، وبالتالي عدم يقينيته. طالما شاهد الاثنين آخر، طالما كانا مثار الحكايات عند الآخرين: أماكن، باعة في الطريق، مقاه، شوارع، والليل كاملا في حالتنا، فحبهما حقيقة، ومن هنا فهو أبد. المدى الأفقي، الحقيقة، يتحول إلى مدى رأسي، الأبد، الزمن، على طول الزمان أطالبك يا سلمى أن تكوني لي، بأمارة الليل الذي رآنا، ماذا سيروي عنا إن نحن تجافينا؟


سليمة. من عبدتك بعد ربـي/ سواءٌ في القنوط وفي التمنـي


عبدتك على حالين، رجائي فيك ويأسي منك، عبدتك على الحالين لا كما أعبد ربي، والله عند حسن ظن العبد به، وإنما عبدتك بيأس، عبدتك وكفرت برحمتك، أنا عابدك الكافر بك


غداً لما أموت وانـتِ بعـدي/ تطوفين القبور علـى تأنّـي


لما اموت وأنت بعدي. أي: لما أموت وانت تموتين بعدي ان شاء الله. لحظة صمت. لحظة استدراك. تكتمل الجملة. وانت بعدي تطوفين القبور. هكذا: يفرغ غضبه عليها. يتمنى لها الموت، ولكنه يردها إليه، كاليويو بالضبط، يلاعبها ويتلاعب بها ويلعب عليها، ينشغل بها ويشاغلها ويشتغلها، هو عبدها الذليل


قفي بجوار قبري ثـم قولـي:/ أيا من كنتُ منك وكنتَ مني
خدعتك في الحياة ولم أبال/ وخنتك في الغرام ولم تخنّـي


لحظة الاعتراف المتوقعة ساعة الممات: يستنطق المحب سلماه، يقررها، أو بشكل أدق، يكتب هو الاعتراف ثم يجعلها توقع عليه، الاعتراف هنا ليس ما يريد أن يسمعه المحب من محبوبه ساعة الموت، ولكنه ما يريد للمحبوب أن يسمعه الآن، لحظة إنشاد القصيدة. الاعتراف/ العتاب، موضوعه الخيانة، وهو يرتد بين المتكلم والمخاطب كالزمبلك. ليس فقط اعترافا او عتابا. إنه غزل أيضا


كذا طبع الملاح فـلا ذمـام/ فُطرن على الخداع فلا تلمني


غفرت لك يا سلمى، أنت جميلة، وهذا طبعك، بصفتك جميلة، أن تخوني. ولو لم تخونيني لما أحببتك، لأنك كنتي لتصبحين قبيحة يا حياتي. الغزل سلاح أخير بيد المحب لاستعادة محبوبه، من من المحبين يغازلك يا سلمى، يا سلملم، يا خائنتي الحبيبة، ويغفر لك خيانتك، ويمرر لك ملاحتك في غفرانه، إلا أنا






الأغنية بالمناسبة كلمات محسن إطميش وألحان كمال السيد، وغناها الكثيرون: زكية حمدان وأمل عرفة وريما خشيش. هي ساحة عظيمة لاختبار الصوت



Sunday, May 06, 2007

في مديح أهل النار

عندي انطباع دائم إن عالم النار هو عالم عظيم. الكسل هو أهم حاجة في الجحيم، أهل النار مدللون، مبيعملوش حاجة أبدا، في مقابل أهل الجنة، اللي بيذكروا الله وبيحمدوه وبيتبادلوا السلام والتحية وبياكلوا وبيشربوا فاهل النار تقريبا لا يقومون بسائر الأعمال المجهدة، أهل النار لا يفعلون غير التألم، والتألم، سوري، مش شغل. ليس عملا أبدا
برغم عملهم، وبرغم كسل نظرائهم على الضفة الأخرى، فحياة أهل الجنة رتيبة، أكل وشرب ومضاجعة وتحيات طيبات. في المقابل، النار هي عنصر اللذة الحاسم ف جهنم. النار متواصلة. لا تخمد أبدا، ولذتها لا تنفد "كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب". اوف، شو عبقرية. النار مستمرة، والاحساس بها مستمر، الجلد لا يتيبس ولا يذوب، بتفضل ملامسة النار للجسم حية على طول، اللسعة فالحريق فالانصهار فنمو الجلد من جديد فاللسعة فالحريق فالانصهار، مفيش حاجة هتمنع النار من الوصول لهدفها، ولا هتمنع جلدي من التلذذ بمداعباتها، من الاتحاد بها وأن يصير هو وهي نفس السائل، الثقيل، اللزج، المقزز، ولكن الملهم لأقصى درجة
في المقابل، ليس في القرآن وصف لما سيحدث إذا مل المؤمنون من الفاكهة والنخيل واللبن والخمر والحوريات، كل شيء يدور وفق نفس الجدول، كل شيء في الجنة ثابت وإيقاعي، أو على الأقل هذا ما يصل إلينا من خلال المصادر المتاحة لوصف الجنة. وانا صغير كنت بخاف اوي من الملايكة، كانت صورتهم واحدة في راسي ولا تتغير، دايما بيغنوا اغاني بطيئة، بنفس الايقاعات، تررم تررم تررم، ومفيش أي قوة ممكن تحول التررم إلى تراللا مثلا. هل للسبب دا لما الرسول راح ف رحلة المعراج ماشافش ناس من اهل الجنة وانما ناس من اهل النار، وللسبب دا اعظم اجزاء دانتي هي الجحيم؟ النار كانت دايما ملهمة للفنانين والانبياء، مش الجنة، لحسن الحظ او لسوئه
من حوالي خمس سنين، لما الناس ابتدت تعيط في صلاة التراويح وهي بتسمع القرآن، اكتشفت انهم بيعيطوا على طول على اوصاف النار، ومش الجنة. البكاء من خشية الله، هو اللقب الديني لحالة التلذذ الفني باوصاف النار، التلذذ اللي بيوصلك للحالة الشعورية اللي بمقتضاها بتكتشف انك لازم، لازم حالا، تعيط، مش بس علشان جارك ف الصلا بيعيط، ولازم تعيط زيه علشان ميبقاش هو اقرب لربنا منك، انما بسبب حالة تأثر حقيقي، تاثر بعالم كابوسي، غرائبي، قوطي بينفتح قدامك، عالم النار والاحماض والمسوخ والغرائز المنحرفة هي اعمدته الرئيسية، زي اي رواية لدي ساد