Friday, February 29, 2008

كمال الطوخي يعني اكتماله


صيف 96: أقترب مترددا. أقول له أنني دخلت آداب قسم عبري. لا يستوعب في البداية. ينظر لي طويلا، والنظرة الطويلة علامة على صعوبة الاستيعاب. يسألني: إشمعنى؟ ولا ينتظر إجابة. يقول ببطء: ازاي تدخل قسم عبري إذا كان خلال خمسة وعشرين سنة مش هتبقى إسرائيل موجودة.

تأملوا معي، انظروا ولا تستسلموا لغواية ملاحظات الوهلة الأولى. كمال الطوخي لم يكن مجنونا وطنيا، ولا قوميا مهووسا. هو لم يكن شيئا على الإطلاق. كان فقط، مثل أي أب، يريد لابنه أن يعمل بعد ما يتخرج. ويرى أنه حين يتخرج ستكون العبرية قد أصبحت لغة ميتة، وبالتالي فسيقعد ابنه عاطلا، لأن إسرائيل، وهذه معلومة أكيدة في رأيه ولا صلة لها بأية أيديولوجيا، ستكون قد انتهت.

***

كمال الطوخي هو إنسان النظريات. كل شيء يحدث في رأسه وما يحدث خارجها إنما يحدث بفضلها هي فحسب. فوضوي وغير مسئول ولا يعتمد عليه ويحب دماغه أكتر من أي حاجة. تجرأت مرة وقلت له أن ما يبهرني فيه هو عدم إحساسه بأي مسئولية، تجاه زوجته وأولاده وأي شخص ف الدنيا. ابتسم بثقة. قال لي: أنا بس بخطط لها كويس. من هي التي كان كمال الطوخي يخطط لها كويس؟ الدنيا، الشغل، رحلة الكفاح، خطواته؟ لا أحد يعرف. إنها لزمته المفضلة. يرى نفسه ناجحا لأنه لا يدخل أي شيء بدون تخطيط. هو يقلب المنطق وينطقني ما لم أقله، عكس ما قلته بالتحديد، ويقول أنه يخطط لها كويس، ولا يشعر لوهلة بتأنيب ضمير لأنه واصل كلامه بعدي وكأنه يكمل ما أقوله ولا يهدمه. ذات يوم، رأى كمال الطوخي جملة مكتوبة بخط عريض في الجرنان ، النجاح لا يأتي صدفة، قص الجملة بعناية وعلقها على دولابه، أصبح هو والجملة شيئا واحدا، حرص أن يلفت نظرنا للجملة طول الوقت، وله، ويقول أنا النجاح وهذا نجاحي وهو لم يأت صدفة. كمال الطوخي الذي لم يكمل أي مشروع لآخره أبدا، كمال الطوخي الذي لم يخطط لها، بصرف النظر عمن تكون هي، ولا مرة في حياته. كمال الطوخي الذي هو إنسان النظريات.

***

كمال الطوخي سافر إلى الكويت وهو عنده تمنتاشر سنة، مرض أبوه فسافر، يحكي عن هذه الفترة: "كنا بنفتح حصالات عماتك علشان نجيب بالفلوس اللي فيها أكل." سافر أبي إذن، الذي هو "أبيه كمال" على لسان عماتي الأصغر سنا، وهناك وكّل أمه لكي تشتري له أرضا تلو الأرض، في مدينة نصر والهرم والعامرية وعزبة النخل، تم إنقاذ الأربع عائلات للأربعة أعمام، وبقى أبي وحده في الكويت، وسنعرف في السطر التالي أن هذا لم يكن مصيرا مشرقا بما فيه الكفاية.

كمال الطوخي طرد من الكويت بعد غزو صدام، وقعد في البيت بلا شغل، بلا فلوس بعد أن ضاعت فلوسه هناك، وتقريبا بلا أولاد لأنه اكتشف أنه غريب بين أولاده. ثم تذكر أن له أرضا في العامرية وأرضا في مدينة نصر، وفكر في زراعة أرض العامرية أو بناء عمارة في أرض مدينة نصر، وصلى صلاة الاستخارة وأتاه الهاتف أن عليك بالعامرية. وسبب آخر يضيفه الطوخي: "الفلاحين هينصبوا عليا في عشرة عشرين جنيه، بس مقاولين العمارة هينصبوا عليا في مية ولا ميتين ألف". اختيارا لأهون الشرين إذن، واقتناعا منه بأنه منصوب عليه لابد، ذهب وزرع أرض العامرية، عاونه في زراعتها فلاحون كان يصفهم دائما بأنهم أولاد كلب، وأولاد الكلب كانوا على مستوى توقعاته تماما وأفضل: عندما زهق من الزراعة أخذ يؤجر لهم الأرض قطعة قطعة. فصاروا يدفعون مرة ومرة لا يدفعون، ويسرقون الوصولات التي يكتبها عليهم، ينطون على سقف بيته ويسرقون شنطة الوصولات.

***

كمال الطوخي تزوج تلات مرات، أم اخواتي ثم أمي ثم مراته التي لن تكون أما لأي شيء. بعد موت أمي كان يحاول تقريب الفكرة لنا بكل الأشكال، كان يشرح لنا أنه يخاف أن يموت وحده في الأرض، على هذا الأساس كان احتياجه لامرأة أربعينية: "مش عاوزها عندها تلاتين سنة. دي هتبقى عاوزاني أهشكها". هكذا قال أبي بحكمة من أكمل الخامسة والستين بجدارة. ولأنه لا يريدها بثلاثين سنة فقد تزوجها بخمس وعشرين.. إنه إله في جسم إنسان يا أولاد.

.....................................

...................................

...............................

يجلس مع ماما، وإعلان التليفزيون عن لبن ميلكي شغال. يقول لها بعد لحظة تأمل طويلة وشفطة من الشاي: عارفة يعني إيه ميلكي؟ تنتظر أن يرد بنفسه على سؤاله فيعتبر صمتها علامة جهل منها. يشرح: ملكي يعني بتاعي. يعني علبة اللبن دي بتاعتي. تقول له، كم كانت متحمسة زيادة عن اللزوم، الفاتحة لها يا إخواني: ميلك يعني لبن. ينظر لها نظرة طويلة ويبتسم باحتقار. تقريبا لا يرد. كم أحن الآن لتلك النقاشات اللغوية الفيلولوجية الرصينة حول جذور المفردات والعائلات المختلفة للغات الحية.

Friday, February 22, 2008

أغنية حب رومانسية إلى مزتي

عزيزتي ز، مزتي الجميلة، لم يكن من داع لكل هذا أبدا، كان هذا أكثر مما أريد أو مما أحلم به. كان حبك عظيما، رهيبا، كان فوق ما أتمناه بقليل، فوق ما أتمناه بكثير، لأنه كان أيضا مصحوبا بقدر لا تخطئه العين من السهوكة، طبعا لا يمكن النظر إلى سهوتك الحبيبة ودلعك المرئ الناعم إلا بشيء من السخرية، خاصة أننا قد توقفنا عن أن نكون مرتبطين منذ ما يقرب من عام ونصف. لم تستمر علاقتنا.. لم تستمر يا عروسة، لم تستمر يا أبلة، وأنا أصبر وأحتسب كل شيء عند الله.. والنعمة.

أنا لم أكن معنيا بهذا، لم أكن معنيا بأن تقولي لي بحبك كثيرا، ولا بأن تناديني بحبيبي، لم أكن معنيا بأن تحولي أي نقاش بيننا إلى نبوءة تدور حول استمرارنا معا على طول. بالمناسبة، أحيانا ما كنت أريد أن أتحدث بجد عن شيء ما وأشخاص ما غيرنا، وأكون صادقا في عدم نيتي تلقيح كلام عن علاقتنا. أحيانا ما تراود الإنسان هذه الرغبة، وفي أحيان أقل تكون هذه الرغبة صادقة، وفي أحيان أكثر قلة يكون الصدق شيئا كويسا.

في الأمثال يا يمامتي يقولون أن المليان يكب على الفاضي، وأنا كنت أريد هذا. يعني، لو كنتِ قللت بعض الشيء من فوراتك العاطفية اللذيذة، من جنونك الرومانسي الرائع، وفي مقابل ذلك استمررنا مع بعضنا، بهدوء وبدون أفوَرة، كان هذا ليصبح أكثر عدلا، استواء، استقامة، كان الأمر ليصبح على منسوب واحد، كان ليصبح نوعا من البيضان الجميل، الملل المثير للشهية، الرتابة المبهجة، وهذا ما كنت أريده.

كان واضحا مدى الجهد الذي كنت تقومين به لأجل قول كلمة حلوة، كان هذا بالتأكيد يضغط على أعصابك، مثلما أنه كان يشعرني أحيانا – أحيانا كثيرة ولكن ليس دائما – بالرغبة في الترجيع، ومع ذلك، فلم تتوقفي عن قول كل الكلمات الحلوة، حتى جزعت نفسي، شفتي ازاي؟ ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.

يشكو الشاعر العربي القديم قائلا: ما ساعة بتعتبرني كتير تقيل الدم/ وساعة بدك ياني بشي ضروري. قطتي العسولة، ألا تلاحظين معي داخل هذه الأبيات طلبا صادقا ما، رجاء حارا ويائسا، مناشدة تتفتت لها الأكباد، بأن يتم تقسيم الوقت والمشاعر، ألا يكون بدك ياني بشي ضروري بهذه الطفاسة ولكن في نفس الوقت ألا تعتبرني كتير تقيل الدم في الأوقات الأخرى. منذ فجر البشرية إذن، منذ لحظة كتابة هذه الأبيات، وثمة حنين قاتل لدى الرجال للعدل العاطفي، ثمة رغبة جارحة في ذلك البيضان الجميل، الملل المثير للشهية، الرتابة المبهجة، وهذا ما كنت أريده، ما ضر إذن لو كان فعلا المليان قد قام بالكب على الفاضي؟

عزيزتي، مزتي الجميلة والرقيقة، لماذا فشختيني كل هذا الحد إذن؟

Friday, February 15, 2008

وما كفر المصريون ولكن الأفارقة كفروا عالآخر


تنظرين يا يارا، يا ابنتي الرائعة، من البلكونة وتسألينني عن الأعلام المرفوعة، تسألينني عن الزعيق والكلاكسات، تشيرين بأصابعك البريئة إلى الفرحة على أوجه الشباب والشيوخ وتسألينني: ما هذا؟ أنجعص أنا يا حبيبتي على كرسي وأشرح لك أنه في عالمنا يعيش فريقان، أناس طيبون، اسمهم المصريون، وأشرار اسمهم غير المصريين، أحكي لك اليوم عن انتصار الأخيار على الأشرار، وأبدأ في استرجاع المعركة الحاسمة، أميل على أذنيك هامسا لأحكي لك وأنت على سريرك:

"كان اسمهم أفارقة، كانوا سودا كلون الشيطان، طوال القامة كالمردة، وعراة كالهمج، وكانوا يأكلون لحم البشر أيضا. لم نكن نرغب إلا في التخلص منهم.. أو على الأقل، في أن نثبت أن الخير، الذي هو نحن، هو الباقي أبدا مهما ساد الظلام الذي مثلته لون بشرتهم. وهذا ما حدث: الكرة، يحركها ربنا باتجاه المرمى الكاميروني، هي من أثبتت أننا السادة مهما مر الزمان، كنا الأجمل والأنقى دائما يا حبيبة بابا."

"سامحيني يا ابنتي على خيالي غير المحترم بشكل خاص، تعرفين كم أحسن جدك وجدتك تربيتي، ولكنك أيضا تعرفين سحر وتأثير رفاق السوء على الشاب الذي كنته يوما، ومزاجي الجنسي يا صغيرتي ينقح علي لمدة كام تدوينة، فاعذريني واعذري قلبي العجوز الذي ما فتأ يرتكب الحماقات مرة بعد أخرى. ما أردت قوله هو أن لاعبينا الأخيار تبرعوا بفلوس كثيرة لبناء مسجد في غانا، تسألينني لماذا في غانا؟ لأخبرك. لأنهم قاموا بنيك الأشرار هناك، في دارهم، في دار الأشرار يا ريري، ومن ينيك منكم شريرا فعليه بناء علامة في مكان المواقعة ليذكر المنيوك أنه قد نيك، ليكسر عينه بها إلى الأبد، أقول هذا ويعتصرني الآلم لأنني أتخلى، في الوقت نفسه، عن قواعد التربية السليمة، أحدثك عن شرور العالم، وبلهجة تعوزها اللياقة إلى حد ما، فسامحيني وسامحي قلبي العجوز."

"تعرفين المسجد يا يارا؟ لا. لا ينفع. لابد أن تعرفيه جيدا. إنه بناء من الحجر له مأذنة عالية وطويلة، طويلة جدا حتى لكأنها القضيب الذكري، وستعرفينه يوما، أنا متأكد. وهذه هي الحكمة من أن أية كنيسة، بقبتها المستديرة كمؤخرة محترمة، لابد أن يقوم أمامها مسجد. فهمتي قصدي؟ مش مهم. ستفهمينني يوما، أنا متأكد برضه. كم أنهم عظماء من يريدون نيك الأشرار يا يارا، لأنه، وقد نسيت أن أخبرك، عاشت في عالمنا طائفتان أخريان، المسلمون، وهم الطيبون المسالمون حد الروعة، وغير المسلمين. والغالبية من سكان المدينة الغانية التي أراد الطيبون بناء المسجد فيها كانوا غير مسلمين، وغير المسلمين هم الأشرار يا يارا، ولندع الرب أن ينجنا من الشرير دوما."

"في النهاية خليني أحكي لك: أبناؤنا ذبحوا عجولا في المدينة، ذبحوها لتوزيع لحمها على الفقراء، فقراء المسلمين طبعا وليس فقراء الأشرار، ذبحوها تبركا وحمدا لله، فما كان من الأفارقة الوثنيين السحرة بطبيعتهم إلا أن اعتبروها ضربا من السحر. تذكري يا ورور معي قصة موسى وسحرة فرعون واعرفي أن السحر شيء مش محترم وبركة دعا الوالدين هي شيء محترم، وأنه لا يفلح الساحر حيث أتى، ولكن يفلح دوما من ذكر اسم الله وأخرج عصاه فإذا هي حية تسعى، وما كفر سليمان أبدا ولكن الأفارقة كفروا، ثم لأقرأ عليك هذا الخبر في المصري اليوم لتعرفي معي كم أن الأفارقة كفروا، كفروا على الآخر حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ومازالوا يكفرون."

Friday, February 08, 2008

تحية واجبة إلى حدودنا المقدسة

نحن نكره الفلسطينيين لأنهم قاموا بانتهاك حدودنا، وحدودنا يجب أن تظل مقدسة جدا، مقدسة للغاية، مقدسة آخر حاجة. وبمنتهى الصراحة، فلقد تزلزلت مصريتنا يوم اقتحم الغزاوية الحدود، انتهكت وانشرخت وانفشخت، فلما انفشخت صارت أكثر انفشاخا ومن ثم صارت مفشوخة على الدوام.

***

نكره الفلسطينيين لأنه ليس معقولا أن تقوم مجموعة منهم، واسمها أهل غزة، بغزونا. وقبل مجيء أهل غزة كانت العريش زي الفل، كانت نموذجا راقيا ورائقا لكس ام الرخاء الاقتصادي والأمني. كانت جنة الله فوق الأرض، ولم يكن ناقصا إلا حبة جواري وقيان لتصبح مدينة من ألف ليلة وليلة، عاصمة الخلافة الرشيدية السعيدة.. فلماذا فعلتم كدا يا غزاوية!؟

***

نكره الفلسطينيين لأن العرايشة والسيناوية لا يحبوهم، لأن العرايشة والسيناوية يشعرون بقوة أنهم مصريون، ومصريون بس، ومصريون يعني قهراوية وقهراوية يعني مصريين. لا يشعر السيناوية بأي تعاطف مع غزة، فمشاعرهم تتزبط على حسب خطوط الحدود المصرية، والنوبيون مثلا أقرب إليهم من الفلسطينيين. ولذلك فإن السيناوية يستجيبون دوما للتحذير القاهري بالابتعاد عن أصدقاء السوء الذين يقعون وراء الحدود، الحدود الجامدة، بل وأكثر من ذلك، الحدود التي في منتهى الجمودية.

***

نكره الفلسطينيين لأنه تم نيكهم من جميع شعوب العالم المتمدين، يهود وسوريين وأردنيين ولبنانيين، ثم أنهم يأتون على ازبارنا نحن ويقولون يععع عنصرية. على الفلسطينيين أن يستحْلوا أزبارنا كما استحْلوا أزبار من سبقونا، حتى نطمئن إلى سلامة، وروقان، أداءنا الجنسي. وإن لم يكن، فلا يأتوا لينيكونا نحن، حيث أطيازنا، مثل حدودنا، يجب أن تظل محمية دائما، هذا شيء يتعلق بالأمن القومي قبل أي شيء آخر.

***

نكره الفلسطينيين لأن كلمة فلسطين تعني حماس وكلمة حماس تعني فلسطين، ولأنه لا يمكن للقاهرة – وهي عاصمة العلمانية والليبرالية في العالم الحر- أن يحكمها شوية حمساوية ينتمون بأصولهم إلى الإخوان المسلمين.

***

نكره الفلسطينيين لأنهم – بدلا من أن يصبحوا جميعا شهداء ويقاومون إسرائيل بالحجر ويقاومونها بالرشاش ويقاومونها بسكاكين المطابخ – فإنهم يهربون كالخولات، إلينا الآن، وإلى لبنان وسوريا والأردن سابقا. يجب على الفلسطيني الحق، الفلسطيني الصحيح، الفلسطيني الذي اكتملت فلسطينيته بدرا تام الاستدارة ليلة اربعتاشر، أن لا يكون بني آدم، يجب أن يكون وحشا فتاكا، يقاوم إسرائيل في أرضه حتى يموت، يجب على الفلسطينيين أن يموتوا حتى يكونوا كويسين، كويسين جدا وكويسين للغاية وكويسين آخر حاجة، وحتى نحبهم بنفس القدر، أي: جدا وللغاية وآخر حاجة.

Friday, February 01, 2008

الإنترنت أيضا مدينة تحت الأرض يا ربيع

الإنترنت بايظ. ومنذ سنوات قليلة لم يكن هناك إنترنت، ولذلك فمنذ سنوات قليلة لم يكن الإنترنت يبوظ، ولذلك فالنهاردة أسوأ من امبارح وبكرة أسوأ من الاتنين، إن شاء الله

الإنترنت واقع في البلد كلها، وشعبان يوسف يصف الشخص بأنه نتاوي فيما يعني أنه نصاب، ويعرف شعبان يوسف الإنترنت بأنه عالم تحت الأرض يوازي عالم ما فوق الأرض الذي هو عالم الورق، ومعروف أن عالم ما تحت الأرض هو موطن أشياء كثيرة، مترو الأنفاق وجذور الشعر وسلاحف النينجا كما قلنا من قبل، والإنترنت كما نقول الآن، والعفاريت كما سنقول فيما بعد. والأنفاق عندما تنهار فإن الأرض لابد سيحصل لها حاجة، جلطة أو سكتة قلبية أو شلل رعاش، وعندما يتم تفريغ وجهي – كما حدث الأسبوع الماضي – من شعرته الطويلة المستحكمة فإن الوجه ينحل كما ينحل بلوفر الصوف، وإذا وقع عالم النت فإن عالم الورق ينهار يا شعبان

الإنترنت عالم سفلي تحت الأرض، وربيع جابر له رواية اسمها بيريتوس مدينة تحت الأرض، لم أقرأها لأنها غالية ولكن أصحابي رسوني على التيتة فيها، ودائما هناك أصحاب يقومون بالإرساء على التيتة فيها، والحمد لله على وجودهم وعلى وجود التيتة سويا، والرواية تحكي عن بيريتوس وهي مدينة موازية لبيروت وهي تقع أسفلها مباشرة، تحت الأرض، وأكتشف الآن بحزن أنه لم يكن هناك داع لأصحابي لأن ما قالوه لي يبان من عنوان الرواية، بلا زيادة ولا نقصان، وربما أشك أنهم قرأوها أصلا الآن، فما أشد حزنك يا ربيع طول الدهر

الإنترنت بعافية، ويقال في مصر بعافية أي أنه من دون عافية، ولذلك فعندما أقول أن الإنترنت بعافية ولكنه استرد عافيته فإن الجملة ليست غريبة، ولا فانتازية، إنها جملة مزبوطة لغويا، ولكن ليس معلوماتيا، لأنه لم يسترد عافيته كلها وإنما سبعين في المية منها، بحسب ما أفادنا مراسلنا في جريدة الأهرام، وبالسبعين في المية أكتب هذه التدوينة ولم أكن أستطيع فتح صفحة البلوجر امبارح، ولذلك لابد أنه هناك واحد أو اتنين في المية زيادة عن امبارح استردها الإنترنت من عافيته، ولكن ليس معنى هذا أن سبعين أو اتنين وسبعين في المية فقط هي ما سأتمكن من نشرها على المدونة، للأسف، الحياة ليست دائما بهذا الإحكام الهندسي يا إخوان

الإنترنت عندما يبوظ فإن كائنات الأنفاق والمجاري، السلاحف والصراصير والمدونين، لا يتمكنون من العيش بحرية، وينظرون إلى الكائنات اللي فوقهم، مثل الكائنات التي تكتب على الورق، بغيظ ويقولون لهم ويكأن الله يفعل ما يريد، بالرغم من أن هذه المعلومة لا تحتاج أي ذكاء أو أي ويكأن، لأنه دائما الله يفعل ما يريد ودائما أهل النار على جنب وأهل الجنة على جنب وسلاحف النينجا هم دائما تحت الأرض ودائما اللي بياكل على ضرسه بينفع نفسه يا بني أدمين