Friday, October 26, 2007

أدهم وسر العروبة المحمولة


"اول طريق الهرب/ شربوا العطش و الصهد/ وف عز عز التعب/ لقيوا عرب عن بعد/ وقربوا قربوا/ يا عطشانين اشربوا/ دانتو عرب واحنا عرب". هكذا هرب أدهم الشرقاوي من سجنه يوما ما، والعهدة على عبد الحليم حافظ ومرسي جميل عزيز. والعهدة عليهما أيضا في أن العروبة تظهر بلسما وروحا طيبة بين الإخوة في الشدائد.

***

المصريين بشكل عام يطلقون على البدو أو قاطني الصحراء اسم العرب. وبسهولة نستطيع تخيل أن الروح القومية الثورية في الستينيات كانت بتتبضن من هذه التسمية، لأنها ترى أن كل ما بين المحيط للخليج هم عرب، حتى الثعالب في أوكارها والطيور في أقنانها. وبالتالي فقد تولى السيد جميل عزيز، في محاولته لتطويع الملحمة لصالحه عندما كتب كلماتها لعبد الحليم حافظ، مهمة بستفة الوعي المصري كله، حينما جعل واحدا من العرب يقول لأدهم الفلاح إنتو عرب واحنا عرب. كان يهدم تراثا عفويا يسمي قاطني الصحراء بالعرب، مما يعني، بداهة، أن غيرهم مش عرب.

ولكن، يظل السؤال قائما: إذا كان أدهم ورفاقه عربا، زيهم زي الناس الذين لاقوهم في رحلة هربهم، فما معنى تخصيص الناس اللي لاقوهم باسم العرب في عبارة "لقيوا عرب عن بعد"؟ وليه مثلا لم يتم وصف ادهم ورفاقه قبل هذا الموضع بانهم عرب؟ ولماذا حضرت عروبتهم فقط لتواجه عروبة البدو، العرب الاصليين، العرب العاربة، في مقابل العرب المستعربة اللي هما أدهم وصحابه، الذين أصبحوا فجأة عربا من المحيط الثائر إلى الخليج الهادر، حسب ما أراده قوميو الستينيات الجدد؟ لا تنسوا أن عم أدهم نفسه كان هو من شهد زورا ضده، مع أنه وفقا لذات المنطق، هما الاتنين عرب. لا تظهر الروح العربية في الأغنية إلا لتآخي بين اثنين، العاربة والمستعربة، لترد على دعاوى الفتنة المفرقة بين الجنسين، ولتثبت أن مصر والزودان هيتة واهد، في ملحمة هي أصلا انتصار لشرقاوية بطلها، وليس لمصريته حتى ناهيك عن عروبته.

***

معلومة لا أعرف مدى أهميتها: في يوم من الايام، يمكن قبل حرب العراق واحتلالها، وكانت وقتها كوريا الشمالية تثير العالم ببرنامجها النووي وامريكا اللاتينية تشاغب كالعادة، والدول العربية كانت متواطئة ضد العراق ومع الاحتلال، ظهرت صيحة في المظاهرات ضد الحرب: "عاشت كوريا حرة عربية. عاشت كوبا حرة عربية. وانتم جتكو خيبة قوية." بمعنى اخر: انه فورا - وبشكل ساخر- تم منح العروبة هدية للدول المشاغبة، اللي هي برة المحيط العربي جغرافيا، فقط بفضل تحديها لأمريكا، ومنحت الخيبة القوية للعرب "العاربة"، يعني الأصليين، مع سلب عروبتهم عنهم بالبداهة ، لأنهم تواطئوا مع أمريكا ضد اختهم العربية.

..........

............

...............

وهذا يا سادتي الأفاضل كان مثالا واحدا على ان العروبة هي متاع بورتابل، نقال أو محمول، يمكن تحريكه من مكان لمكان بسهولة وبراحة تامة. هو أكثر أمانا من أي شيء آخر لا يسبب مشاكل في نقله ولا يجرح الباركيه.

Friday, October 19, 2007

نعناع وعيون اللغة العربية


أرسلت لي عناية تطلب مني أن أخبرها بأخباري، ببساطة يعني.

كتبت لها على مساحة الإيميل الفارغة "عينيا يا عناية". ولم أرسل الإيميل. أصابني الاكتئاب فجأة. لسبب ما، داهمني خاطر بأن شخصا لا يعرف العربية يقرأ الإيميل. أو يسمعني وأنا أردد "عينيا يا عناية"، ويفكر ساعتها بشكل حتمي في أن العربية لا تحوي إلا أصوات ثلاثة، هي أصوات عينيا يا عناية، العين والنون والياء. وهكذا، مدفوعا بالرغبة في الحفاظ على صورة اللغة العربية في عيون الغرب، كنت لأتراجع عن إرسال الإيميل، لولا تذكري أمر آخر.

منذ ثماني سنوات كنت قد كتبت قصة عن لغة لا تحوي إلا كلمة واحدة تتكرر الواحدة إثر قرينتها، بلا أي اختلاف في تشكيلها أو طريقة نبر أحرفها، لم تكن إلا كلمة مفردة، هي HAHY، تعبر عن جميع معاني اللغة اللانهائية. هكذا إذن، بما أن الكلمة تتكرر بشكل لا نهائي، وهي وحدها تعبر عن جميع معاني اللغة، فلم يكن إذن من معنى جديد دخيل يؤرق اللغة أو يثبت عجزها. لم تكن إلا مرونة اللغة اللامحدودة بكلمتها التي لا تحوي غيرها. فكرت، إزاء إيميل عناية، أنه كلما ازداد فقر مفردات اللغة زاد ثراء دلالاتها، وهكذا لم تكن "عينيا يا عناية" عارا على اللغة العربية، العكس تماما، وهكذا كنت لأعود وأضغط Send، لولا فكرة قاتمة حلت علي من جديد:

"عينيا يا عناية" ليست كلمة واحدة كما كان في القصة القديمة، انها عبارة من كلمتين وحرف نداء، تقترب أطرافها من بعضها الى حد الالتصاق، انها "عي. نا. يا. - يا – عي. نا. يا."، مع اختلافات بسيطة، التشديد والنبر وما الى ذلك، وهذه الاختلافات هي ما تجعل من قصتي القديمة وواقعة عناية الحديثة محض أمرين مختلفين.

يضاف إلى هذا أن الأجنبي أجنبي، ومعنى أجنبيته أنه لا يعرف العربية، وهذا يعني أنه سيسمع العبارة فحسب، لن يفهمها، والمفاجأة المؤسفة أنه قد لن يميز أصلا بين مقاطعها، بما يعني أنه قد يتصورها كلمة واحدة، سبعة مقاطع تكرر بشكل ببغائي العين والنون والياء، كأنك بالضبط تكرر كلمة "عين" سبع مرات، عينعينعينعينعينعينعين، أو تكرر كلمة نعناع ثلاث مرات ونصف، نعناعنعناعنعناعنع، ومطلوب من أي ابن وسخة أن يصدق أنك تقول كلمة واحدة لم تغادرها الى التي تليها. إذن، هكذا سيقول الأجنبي، الشعب العربي بيشتغلنا، لا مفر من الوصول الى هذه النتيجة النهائية.

...........

...............

...................

لكل هذه الأسباب لم أجد ما أقوله لعناية عندما سألتني عن أخباري

Friday, October 12, 2007

حول الفرخة المقدسة لحبنا

يحب المصريون الفراخ، هذا لا جدال فيه، مطبوخة، مسلوقة، مشوية أو محمرة بالبصل ومن غيره. يفضلونها على اللحم دائما. اللحم البقري هو النزاهة أما الفراخ فهي تنزيه النزاهة. ويسمى فرخة بكشك من عظم المغنم من وراءه أو كان محبوبا كمحبة الناس للفرخة بالكشك.

***

ما أريد قوله هو أنه على العكس، في ميدان النحنحة والرومانتكيات، لم ينظر أحد إلى الفراخ بوصفها أطرافا مناسبة لمطارحة الغرام، وعلى قدر ما أشبعوا العصافير والبلابل واليمام والحمام بتشبيهاتهم، ولهذا حديث، فإن الدجاج ظل بعيدا ونائيا عن أغاني الحب. للعصافير غرامياتها وللفراخ موائدنا العمرانة. كانت هذه هي التفرقة التي وضعت كلا من اطراف المعادلة في مكانه، العصافير والفراخ، الغرام والموائد العمرانة.

***

ليس الغرض من إنشاء هذه المدونة بالتأكيد هو تحطيم الصور الرومانسية لمرتاديها الأفاضل، ولكن القافية تحكم أحيانا. يمكننا أن نتصور مطربا او مطربة كبيرين، وليكن صباح فخري أو فيروز، وقد أحلوا دجاجا محل عصافيرهم وبلابلهم التي تناغي أغصان الفل. لن يكون هذا أكثر من أمر مرح، بارودي ظريف لأغنية أصلية غير موجودة، يؤديه هنيدي أو سمير غانم. بصعوبة يتذكر المرء "فرخة حبنا"، ويتذكر أيضا انفجارات الضحك التي تصاحب هذه الجملة. لنراجع معا تصنيفات الأشياء: العصفور هو المحب، البلبل هو المغني العلماني، الكروان هو المغني الديني أو ذاكر الله ومداح رسوله، اليمامة هي بنت ثانوي التي لما تنضج بعد والحمامة هي المزة التي نضجت واستوت وصار صدرها يملا العين، أما البطة فهي، كما هو معروف، تدليع فاطمة، ويقال لها أيضا بطوط. في كل هذا لم ينحصر كائن بين الشوك والسكاكين قدر الفراخ، الموضوع الأساسي لحلقتنا اليوم.

***

استطاعت لعبة كمبيوتر مرة، وعن طريق نفي أي صفة رومانسية ممكنة عن الدجاج، أن تحولها، بالعكس، إلى عنصر شرير. الفراخ تغزو المجرة. في نهاية اللعبة تظهر الدجاجة الأم، بشعة،عنيدة، لا يتأثر جلدها السميك بأشعة الليزر التي لنا، ومنقارها العملاق ونظرتها القاسية كلها تقطع بأننا إزاء وحش كوحوش الكارتون الياباني. الفرخة هنا اسمها الدجاجة الأم، كيف يمكن لفرخة، وأم أيضا، مثل تلك أن تكون طرفا في مشهد رومانسي صنع لعصفورين يتناجيان؟ في اعتقادي الشخصي أنه لا أحد يقرن الدجاج بمشاعرنا المقدسة والطاهرة إلا لو كان هازلا أو غير فاهم، أو لم يقرأ هذه التدوينة بطبيعة الحال.

***

إليكم أغنية "نحنا دجاجات الحب نحنا ديوك الأحلام" لفيروز والأخوين رحباني

Friday, October 05, 2007

انفراد: آخر كفار قريش يتحدث

في إطار انفراداتها المتتالية، تفرد المدونة هذه المرة صفحاتها لتقديم حوار صحفي مع أحد كفار قريش ممن عاصروا دخول الإسلام وانتشاره. يصرح مصدرنا، والذي رفض ذكر اسمه تماما أو حتى ملابسات اللقاء، بعدد من الحقائق كفيلة بتغيير نظرتنا لتاريخ شبه الجزيرة العربية في القرن السادس وأن تكون ردا على من يحاولون التشكيك بأن الكفار كفار أما المسلمون، بطبيعة الحال، فهم المسلمون

.................

لا. يا باشا هو احنا كنا قاعدين نتفرج؟ والله شوف. لا يكلف الله نفسا الا وسعها، واحنا عملنا اللي نقدر عليه علشان نمنع انتشار الإسلام، مفيش حد بقى ييجي يقولنا كنتو مقصرين وبتاع.

.................

كنا بنقعد في قهوة جنب الكعبة ندرس الموضوع. اهم حاجة كنا عاوزين نعرف هما ازاي بيلموا الناس لدين الاسلام، دا كان استقطاب رسمي. قعدنا نتكلم عن الحكاية دي بتاع سنتين، وهو كان في يثرب لمؤاخذة. ماكانش موجود يعني.

.................

اه.. عندنا خطط لو بس كات اتطبقت كان الكفر هيسود في الدنيا كلها. احنا كان معانا عيال جامدة ودماغها شغالة. سيبك من الناس ابو جهل وابو لهب وبتاع. الشغل الاصلي كان عندنا احنا.

.................

دول كانوا زي ما تقول كدا نجوم، يعني محدش يعرف يكلمهم وفاكرين ان هما اللي ممشيين ام البشرية ولولاهم ماكانش هيبقى فيه كفر في العالم، هما كانوا فرحانين ان اساميهم اتذكرت في القرآن وبتاع، بس وحياة المصحف الشريف ان العالم دي عالم رمة وزبالة كفار قريش وان الناس اللي بجد هما الناس بتوعنا احنا.

.................

إديني إنت عقلك يا أستاذ. دا راجل معاه ربنا واحنا حيالّه ناس كفار، يعني واسطتنا في الدنيا شوية الهة لا تضر ولا تنفع، يعني بالعقل، مين فينا اللي ربنا هينصره؟ ابو اله حقيقي طبعا. المسألة واسطة يعني. انا شايف ان غلطتنا اننا ما اتفقناش الاول مع الناس بتوع الاسلام على لعب نضيف، يعني من غير آلهة ومعجزات وحوارات من دي. لو دا حصل، كنت شوف بقى يا برنس احنا ممكن نعمل ايه. كات كل حاجة هتتغير يا معلم.

.................

احنا كنا بنعرف ان الراجل من بتوعنا دخل الاسلام لما كنا بنشوف وشه باسم الله ما شاء الله نوّر وبقى يلبس ابيض وبقى يتكلم كلام كله إيمان وموعظة يخليك عاوز تعيط.

.................

أه طبعا. اليهود والنصارى كانوا حبايبنا. ما هما دول اللي ربنا سبحانه وتعالى سماهم المنافقين، أمال الكفار، اللي هما احنا، كانوا بيحبوهم ليه؟

.................

أمال إيه يا أستاذ؟ يعني انت فكرك محمد رسول الله جا يقول لنا خشوا في الاسلام كل الناس خشت. عيب يا باشا دانت راجل متعلم. احنا كان أهم حاجة مثلا عندنا الشرك بالله الواحد الأحد وعبادة الاصنام، تاني حاجة النسوان والخمرة، تالت حاجة، ان الناس بتوع الاسلام كانوا نحانيح، يقعدوا يقولوا العدل واحنا كنا نحب الظلم زي عينينا، رابع حاجة ان شكلنا كان يقرف وحواجبنا تخينة ولمؤاخذة الراجل مننا لما يضحك تحس انك عاوز ترجع. دي كات حاجات احنا استحالة نتنازل عنها ولو دبحونا دبح.