Friday, March 28, 2008

يا عزالك يا طِلِب


آن الأوان يا إخوان لكي ندرس واحدا من أهم الأدوار في تاريخ كلمات الأغنية، الدور الذي قام به الشخص الشرير، الذي يقف في الغالب على مبعدة، وينتظر فشل قصة الحبيبين ليضحك، والذي يفتتح زمن السرد في الأغنية المكتوبة ويحولها من أغنية إلى دراما. وحديثا هذه المرة هو عن العزول.

العزول مثل مرعي بتاع الكِلِمة في أدبيات القرموطي: يسمع عنه الجميع ولا أحد يراه، وباستثناء جمل قليلة مثل "يا عوازل فلفلوا" فإن الخطاب أبدا لا يتوجه إلى العزول، ولا يتم على لسانه بالطبع، الحديث دائما عنه، لا إليه ولا منه. البعض سخروا من وجود العزول في الأغنية. نرى بيرم التونسي مثلا يتحدث عن ذلك الفرد من أهل المغنى واصفا إياه بالقول: "طالع نازل يلقى عوازل واقفة بتستناه/ واللي جابت له الداء والكافية طرشة ماهيش سامعاه." وعلى الرغم من محاولات كتلك لانتقاد وجود العزول، فإن هذه التدوينة جاءت بالتحديد للدفاع عنه، هو المسكين الذي لم يكن له صوت أبدا.

ما نعرفه أن أصل العزول يرجع إلى مفردة العذل أي اللوم، واللوم في الغالب هو محاولة لإثناء المحب عن الارتباط بهذه المحبوبة بالتحديد، أو العكس. أحيانا ما يكون العزول شخصا غير مقتنع باستحقاق المحبوبة لمحبها، وأحيانا ما يكون، بالعكس، راغبا في هذه المحبوبة بالتحديد وبالتالي فهو يقوم بما في وسعه للقضاء على الحب الذي يربط بين محبوبته وبين شخص آخر، يراه عدوا، وفي الحالتين فهو شخص غير شرير. إما أنه شخص محب أو أنه غير مقتنع، وهذا ليس شرا يا سادتي بالطبع. غير أنه على العكس من ذلك، فالأغنية فعلت كل ما في وسعها لكي تتجنب تبرير العزول، أو شرح خلفيته وأهدافه، وبالتالي حصرته في خانة الشر الخالص، غير المفهوم والشيطاني والذي لا يمكن التسامح إزاءه.

ربما تكون الجريرة الأساسية للعزول هي في التالي: أنه دائما خارجي، دوما ما يكون بخارج المحب والمحبوبة، دوما ما يكون هو الشخص الثالث، وهو المتحدث عنه بضمير الغائب. هذا ذنبه وهذا العقاب على ذنبه أيضا في نفس الوقت. في مسيرة جدلية مرعبة، أرادت الأغنية عقاب العزول فجعلته عزولا، جعلته ثالثا وحصرته في ضمير الغائب، للانتقام منه لأنه ثالث ومحصور في ضمير الغائب. مسيرة جدلية عبثية لا تستقي تبريرها إلا من نفسها.

لماذا إذن كان وجود العزول ضروريا: رأيي الشخصي، أن وجود العزول في الأغنية هو شرارة بدء الدراما فيها، بدء الصراع، تضحى الأغنية ساحة صراعات بين "الخيرين" والأشرار"، وبالتالي يوجد ما يمكن الحكي عنه، بخلاف عيون حبيبي وقلبي. ربما كان العزول هو الإثبات الأكثر عراقة على أن الحب إنما هو صراع لتأكيد الهيمنة ليس أكثر. لنتأمل معا الجملة التي يشدو بها عبد المطلب قائلا: "وازاي بعد ما فرحني/ بيفرح فيا عزولي؟". هذه هي شكوى المحب من محبوبه: إنه، بهجره له، قد أصبح آداة في أيدي أعدائه. ليس الموضوع هو الهجر إذن، وإنما ازدياد الأعداء قوة بتحول المحبوب عن محبه. الموضوع هو الصراع وتوازنات قوى هذا الصراع، لا الحب الحزين واليائس. هذه الجملة تلقي ضوءا أيضاً على تقسيم الأدوار في الأغنية، فالأخيار، ليسوا أخيارا، إنهم خيّر واحد، وهو أنا، والأشرار هم شرير واحد، وهو العزول، أما الطرف المحبوب، الذي "مابيسألش عليا أبدا/ ولا بتشوفه عينيا أبدا"، فهو آداة في خدمة الجانب الطيب أو الشرير، وبحسب انتقاله إلى هذا الطرف أو ذاك، ينتصر الخير أو الشر. المحبوب هنا هو آداة، لم تحسم موقفها بعد، وعندما تحسمه، فإن هذا سيكون نهاية القصة. إن كانت بانتصار عبد المطلب أو عزوله.

لننظر إلى هذه الجملة. كاظم الساهر يرى المرأة التي يحاول خطب ودها، بتعبيره، فيتقدم منها: "أنا شفتك تمشين لوحدك/ سرحانة وإيدك على خدك/ ببراءة جيت أطلب ودك/ ونكيد عزالي وعزالك." لنتأمل قليلا هنا. لا يصبح هدف الحب، هدف خطب الود، كما تبينه الأغنية، إلا كيد العزال، إلا الانتصار على معسكر الأشرار، وهو المعسكر الذي يقبع خارج كل من المحب والمحبوبة. في الحقيقة، فإن هذه الأغنية، واسمها "ويش صار"، لكاظم. تمضي خطوة أبعد، إنها تجعل من وجود العزول سابقا على وجود الحب بين المحب والمحبوبة. فلأي شيء صار هذا العزول عزولا إذن مادام الحب لم يربط أصلا بين الاثنين؟ لا تشرح لنا الأغنية. ربما أرادت أن يكون وجود الشر سابقا دوما، الشر، ومعه الصراع، قد وجدا قبل الخير، أي الحب. للشر دوما مجد ابتداء العالم، كما يشرح لنا كاظم.

***

هل يمكن، باستخدام هذا القياس، عن ظهور دور العزول في الأغنية وافتتاحه زمن الدراما، فهم شيء ما عن العنصر الغامض الذي يدفع شعراء، كثيرين وجيدين، لأن يكتبوا روايتهم الأولى؟

Friday, March 21, 2008

عن حنا ومارتن جئنا نتحدث اليوم

حنا كانت مرافقة مارتن، ومارتن يا عين امه كان نازي، وهي كانت يهودية، وما اجتمع نازي ويهودية الا والشيطان دخل بينهم وعمل حاجات مش لطيفة، فهي مسكته مرة وقالت له خد عندك يا واد يا مارتن، انت نازي ليه يا ولا؟ مش كفاية مدلعاك وموكلاك ومشرباك ومش مخلياك عاوز حاجة!؟

مارتن سكت شوية وقال لها شوفي يا حنا يا عينيا.. انا نازي اه انما اكدب لأ، وانا عارف ان النازيين دول أوسخ ناس فيكي يا بلد، بس برضه انا ليا عذري، خلي بالك ان احنا لسة ف العشرينات، يعني لسة مفيش مشاكل كبيرة ولسة مانكناكوش يا يهود يا رمة يا زبالة.

المهم هما سابوا بعض، ليه بقى مانعرفش، وأصلا هو كان خسارة فيها، لإن دي ست مقرفة وأصلا بتاعة مشاكل، ومرة كتبت حاجة عن واحد ابن وسخة اسمه أدولف فزعّلت الناس منها خالص، وبقوا هيشدوا ف شعرهم من الولية المجنونة دي. وواحد اسمه جيرشوم شالوم كتب لها قال لها بقى شوفي بقى انا مش مستريح لك وحاسس انك بتقولي على ابن الوسخة النازي دا انه بني آدم طبيعي، عادي يعني، يعني بدراعين ورجلين وراس وصوابع وكدا، وخلي بالك الناس لسة فاكرة انك كنتي ماشية مع الواد مارتن النازي، حصل دا ولا ماحصلش يا كلبة؟ قالت له حصل، فقال لنفسه دي عبيطة الولية دي ولا ايه؟

الراجل جيرشوم دا الظاهر كان شايفها مزة جامدة، لانه بعت لها جواب طويل عريض علشان يقولها انت مستعرية من كونك يهودية يا واطية يا وسخة. وبعدين قام بعت الجواب لكل الجرايد اللي ف الدنيا علشان يقول للناس كلها انا ببعت جوابات للمزة اهو. قامت ردت عليه بجواب وقالت له انا مستعرية من اني يهودية يا راجل يا ناقص؟ بس هو، عشان الظاهر انه كان ناقص فعلا، مانشرش الجواب بتاعها، ويبدو انه كدا ناك نفسه، لان دا معناه انا ببعت للمزة بس هي مش معبراني، يعني يا فرحة امي بيا. وفعلا صحيح، كان فعلا يا فرحة أمه بيه.

المهم ان الست حنا دي برغم انها مش متزبطة ولاسعة شوية ومسترجلة حبتين، الا انها جدعة اوي، ست راجل يعني، لإن جيرشوم دا قال لها انتي مالك طالعالي فيها كدا اوي وبتتكلمي عن اليهود من طرف مناخيرك يا كس امك؟ ارحموا من ف الارض يرحمكم من ف السماء، خلي عندك شوية م الاحمر يا أبلتي. قامت هي ماسكتتلوش وقالتله:

أنت تعرف مثلي بشكل جيد كم هو شائع اتهام هؤلاء الذين لا يفعلون سوى تقديم التقارير عن حقائق غير لطيفة، بالافتقار للروح أو بكونهم بلا قلب، أو بانعدام ما تسميه أنت "الذوق". بكلمات أخرى، نعلم كلانا إلى أية درجة يتم استغلال المشاعر في الغالب لأجل إخفاء الحقائق المعلوماتية. يمكنني في هذا الإطار مناقشة ما يحدث عندما يتم عرض المشاعر علناً، بحيث تصبح عاملاً يتدخل في شئون الدولة. هذا موضوع هام حاولت أن أصف نتائجه الكارثية في كتابي عن الثورة، في دراسة عن دور الشفقة في تشكيل الطابع الثوري."

ومن ساعتها ومفيش حاجة اسمها جيرشوم شالوم ف الدنيا.

Friday, March 14, 2008

العقاب


كنت أسير في طريق مظلم طويل على جانبيه أناس يخرج الدود من أعينهم وأفواههم ولهم رائحة ما شممت أخبث منها في حياتي فالتفتّ إلى شيخي وقلت من هؤلاء يا شيخي فقال إنهم قومك ومن تحشر معهم

***

قال لي شيخي قيل لك في التدوينة السابقة اعمل ليوم توارى فيه التراب مثل صاحبك وأخذك الكبر فقلت يا شيخي لم أسمع ولم أبصر كنت أعمى أصم وقسّا الله قلبي على أحبائي ونظرت حولي فإذ رجل يتقدم أمامي وجلده أسود من حر نار جهنم ويعطس فتنط الضفادع والزحالف من فمه وتجول الثعابين في شعره الأشعث فسألت شيخي من هذا فقال لي إنه الكبر الذي تملكك وهو قرينك اليوم وإلى الأبد وضمني الرجل له ضمة كاد لهولها ظهري أن ينقصم ومد يده واقتلع عينيّ وصارت الدنيا ظلاما في ظلام فالتفتّ إلى شيخي وقلت حنانيك يا شيخ فقال اليوم يحق العذاب على الكافرين

***

رأيت نساء عاريات يتقدمن في صف طويل وقد تهدل منهن الجلد وضمر الصدر وصرن مسخة للناظرين فقال لي شيخي هن من نزعت عنهن عفتهن ونشرت صورهن العارية على مدونتك واليوم يوم القصاص ونظرت من يمين لأجد زوجتي وابنتي تقفان في أبهى منظر ووقار وما لبثتُ أن رأيت النساء يمددن أيديهن إلى ملابس زوجتي وابنتي ويتخاطفنها ويتحلين بها وصرن يعدن صبايا متوجات بتيجان العفاف والاحتشام وصارت زوجتي وابنتي شيختين عاريتين قد نتأ منهما العظم وتكرمش الجلد وأخذت النساء يتفرجن عليهما ويصحن هاهي حريم من دنسنا وفشخنا في الحياة الدنيا

***

تقدمني شيخي إلى جرف رهيب رأيت فيه من عل قوما يتم تقليبهم على الجمرات وتنبعث منهم رائحة لحم نتنة فقال لي شيخي من دون أن أسأل هؤلاء قوم قد نطقوا بالكلمات الخبيثة في مدوناتهم فصارت الكلمات جمرات وصاروا يشوون عليها والتفتّ إلى يميني فوجدت بحيرة مائها أسيد حامض ونجيلها أشواك وإبر يبلغ طول واحدها مترا أو اثنين فقال لي شيخي هذه بحيرة جهزناها لك وأنت عمدة المشويين

***

رأيت قوما عورا وعميانا ومبتوري السيقان والأذرع يتقدمهم رجل قد تساقط اللحم منه وصارت فراغات جسمه تنط أمام ناظري بظلمتها التي ما رأيت أشد منها فقلت لشيخي من هؤلاء يا شيخي فقال إنهم قوم ذممتَهم في الدنيا بما يكرهون وأكلت بهذا لحمهم وما لبث الرجل الذي يتقدمهم أن مد يده نحوي فاختطف قلبي وصرت أجد مكان قلبي ألما وكبَدا شديدين وصار الرجل يأكل قلبي ويغمغم أن ما أطيب هذا القلب وصار القوم من حوله يستعطفونه أن أعطنا بعضا منه فيعطيهم بعضا فكانوا يتبدلون صحة من بعد سقم واكتمالا من بعد نقصان وصار الشيخ منهم يعود صبيا والأعمى يعود مبصرا وصار اللحم يتكون على عظام شيخهم ثانية

_____________________

حلم رأيته يوم الثالث عشر من مارس الحالي، يوم انتقال يارا نائل الطوخي إلى بارئها ولم تكمل الخمس سنوات. هكذا عرفت معنى قلبي الذي اختطف وعيني التين اقتلعتا جزاء وفاقا لما كنت أفعل.. تحياتي للجميع

Friday, March 07, 2008

ناس ربيع السريون.. سهى ونهى وفاوست


هناك شيء جيد حدث في شكل الحزن على الموت المبكر للروائي محمد ربيع. وأعنى به عدم تأجيل الاختلاف معه. كثيرون كانوا واعين باختلافاتهم معه ومع طريقة كتابته حتى وموته لا يزال طازجا. الصديقة العزيزة نهى محمود تكتب مثلا في أخبار الأدب عن "الصديق الذي أكره كتاباته وأختلف معها"، هي إذن تكتب عن الصديق محمد ربيع، وليس عن الأديب، هي لا تعترف به أديبا على ما يبدو، وسنتيقن من هذا إذا واصلنا قراءة الأسطر القادمة.

سهى زكي تتحدث عن اختلافها معه في كتابته، تصف كتابته بالفجة، ولكنها تؤكد أن هذه الفجاجة هي من فجاجة الواقع وأنه أراد نقله بلا مواراة، وتقول أنها تفهمت صدقه في التعبير عن المجتمع، حيث يكتب ما لا يستطيع سائر الأدباء كتابته. على العموم، سنعرف الآن أيضا أن لسهى كانت ثمة آراء أكثر حدة ضد كتابة ربيع، أكثر حدة بكثير، بشكل غريب، إذا وضعنا في الاعتبار أيضا شخصية سهى التي هي نسمة أو وردة تروح وتجيئ على مدونات الأصدقاء وكتابتهم فلا تترك إلا ريحا طيبة أينما حلت.

من تابعوا أخبار ربيع أثناء حياته القصيرة يعرفون بوجود وثيقة هامة عنه، هي واحدة من المعارك القليلة التي شنت ضده - ولا أعرف في الحقيقة بوجود غيرها. المعركة تمثلت في تدوينة كتبتها سهى زكي من بضعة أشهر حول ربيع وروايته الأخيرة "ناس أسمهان عزيز السريين"، وشارك فيها – على هيئة تعليقات - نهى وطه عبد المنعم الشهير بفاوست. كانت معركة عنيفة بشكل خاص، تم الهجوم فيها على ربيع بعنف غير عادي، من جانب المذكورين أعلاه، ورد هو في تعليق واحد، حاول أن يكون مختصرا وإن لم يخل من عنفٍ ضديٍ أيضا.

***

سهى زكي تبدأ كلامها بحكم تصفه بأنه غير متخصص في كتابة ربيع: "محمد ربيع روائى طموح ولكنه غير متمكن على الاطلاق، روائى موهوب، ولكنه لا يوظف موهبته وافكاره فيما يستحق الكتابة عنه، وهذا مجرد رأى لقارئة وزميلة له لا اكثر ولا أقل".

كانت هذه هي الطلقة الأولى في هجوم زكي الكاسح ضد ربيع. والذي لا تعوزه السخرية أيضا. تصفه قائلة: "يتحدث عن التجديد ويحاول ان يقلب موازين الرواية فيذهب للصعيد يختفى مدة سنة أو أكثر ثم يعود لنا برواية أفشل مما سبقتها."

السيدة زكي بدت مستفزة للغاية في تدوينتها عن ربيع وكتابته. بدت مستفزة مما أشارت إليه بوصفه ميله الدعائي للشهرة كما ترى. تقول: "محمد ربيع عنده عزيمه ان يلفت النظر بطريقة عبقرية على طريقة حسن يوسف لما اعترف على نفسه انه قتل عشان يشتهر فى فيلم مش فاكره اسمه."

واقتباس آخر: " تعرض محمد ربيع فى روايته الفلتة للدين والسياسة والجنس من وجهة نظر شاب مطحون يعانى من كبت وقهر وعدم تحقيق الذات، يعتقد ان النقاد سيلتفتون له او ان الاخوان سيترصدونه او ان الحكومة ما أن تعلم انه يسب فى صاحب الطلعة الجوية واولاده سيذهبون له فورا. من هنا تبدأ معاناة الأديب التى ينتظرها بشغف، ان يكون بطل من ورق."

***

بالإضافة إلى البطل الورقي الذي كانه ربيع في رأي سهى، فإن العادة السرية هو مجاز تردد كثيرا في حديثها عنه، تصف كتابته بأنها كتابة سرية مثل العادة السرية – وهذا لا يثنيها عن اعتقادها الجارف بأنه يكتب "كتابته السرية" حتى يشتهر، هل المقصود شهرة سرية أيضا يا سهى؟ - ويتكرر مجاز الاستمناء بأشكال أخرى أيضا: "ليس هذا تكسيرا لشىء الا لنفسه ولنفسيتنا التى تتآذى بقرأة مثل هذا الاستمناء الذى يلقيه محمد ربيع على الورق كلما اختلى بنفسه 10 دقائق بعيدا عن العيون. ونجد محمد ربيع هنا لأنه على يقين أنه ما من أحد سيلتفت له فيغازل كتاب الصفحات الادبية والجرائد الأدبية كلها من خلال حشرهم حشر فى نص."

برغم هذه المغازلة التي تراها زكي واضحة في رواية ربيع لكتاب الصفحات الأدبية، فإنها تلقي بنبوءها القوية والتي كان لها أثر فاعل على ما يبدو بخصوص ربيع وكتابته، على حد سواء: "اطمئن يا محمد يا ربيع ، لن يلتفت لك لا النقاد لأن الكتابة ردئية فنيا على كل المسئويات، ولن يلتفت لك رجال الاخوان لأن لديهم من هم اهم منك ليلتفتوا له ، وايضا رئيس الدولة يعلم ان الكثير والكثير يسبونه هو واولاده فهناك من يتحركون بجد وهمة يقومون بمظاهرات ويكتبون فى اماكن مقرؤة ويعترضون بصوت عالى ، فلمن يلتفت من وجهة نظرك، لشاب يقف فى الظلام يمارس عادته السرية، أم لشاب يصرخ بصوت عالى فى ميدان عام... أيهما أدعى للقلق... اعتقد ان الاول سيموت تدريجيا وحده فى مكانه من القهر على حاله وحال أمه... والآخر اذا مات سيكون بطلا شهيدا فى سبيل الحرية."

***

لم تكن جبهة الهجوم واحدة، فالأديبة والصحفية والمدونة والصديقة العزيزة نهى محمود، والتي كتبت تأبينا لربيع في أخبار الأدب يسيل دموع الحجر ويبكي الكافر من ليس له قلب، تعترض بشكل حاد على كتابته، التي لا تراها متجاوزة ولا فجة ولا مباشرة ولا أي وصف نقدي آخر، وإنما مقرفة، ورأت الزميلة العزيزة في ربيع مريضا يكتب قصص بورنو ليس أكثر. كتبت السيدة محمود ردا على تدوينة سهى قائلة: "سهى الرواية دي ازعجتني جدا وقرفتني بشكل مش عارفه اوصف له لك. الفنية الوحيدة اللي في الرواية دي هي شجاعه محمد او ( ) اللي خلته قادر يعببر عن كل الهلاوس المرضية دي بشكل علني كده. محمد لازم لازم تروح لدكتور. وتتخلص من هاجس الكتابة السرية دي. وبعدين تكتب كاديب يحترم قرائه ولديه ما يريد ان يبلغه عن الفن والكتابة وليس عن الدعارة والبورنو."

***

أما طه عبد المنعم الشهير بفاوست، وهو صديق رائع ومحب ونشط بلوجري وفيسبوكي، فقد كان له رأي قاطع بخصوص فشل مشروع محمد ربيع وميله إلى الشهرة الزائفة. كتب في نفس المكان ردا على سهى معترفا بفضلها عليه في توجيه نظره إلى هذه الصفات المرذولة لدى ربيع: "انتى عارفة أنا ليه مصدق رأيك. لانك تعرفى مشوار محمد المش أدبى... محمد ربيع بقى، لفتى أنتباهى أنة متخبط فى الذى يريد قولة، وهو دليل أكيد على فشل مشروعة و محاولة الصعود عاى أنقاضة الى الشهرة الزائفة."

محمد ربيع نفسه على ما يبدو قرأ التدوينة متأخرا. ربما كان وقتها في الصعيد – على حد ما أذكر – وعندما عاد كتب رده. كان – رحمه الله – حادا في رده على الهجوم الذي تعرض له، وقام بتصويب اسم روايته لسهى بشكل أتصور أنه كان محرجا لها قليلا كما وجه سهام سخريته اللاذعة إلى السيدة نهى محمود التي طلبت منه الذهاب إلى الطبيب. قال ربيع في نفس المكان:

"مساء الخير على ناس سهى زكى المتأدبين وطبعا على سهى شخصيا، فيما عدا نائل انتى جبتي الاديشك دول منين، فى الاول يا سهى روايتى اسمها "مؤامرة على السيدة صنع الله" وليست "حكاية السيدة صنع الله" كما ذكرتى، تانى الحاجات واللبى نفسى تفهمينى موضوع الكتابة السرية اللى انتى مستموتة عليه انتى وخدامتك الذليلة نهى محمود، فماذا بعد توزيعى نسخ للناس والنشر الالكترونى لتصبح الكتابة علنية وتالت المواضيع وهذا خاص بالسيدة نهى محمود احب اطمنها انا فعلا ناوى اروح لدكتور بس اللى حايشنى انى ما عنديش نسخة من الرواية اديها للدكتور علشان يعالجنى على اساسها، لأنى مش هينفع احكيهاله، ووحياة سهى يا شيخة تقوليلى اسم الدكتور اللى عالجك علشان اروح له."


***

ما أتعجب له هو الآتي. لماذا قامت سهى زكي بمحو هذه المعركة الشجاعة والحاسمة من على مدونتها، بحيث اضطررت للجوء إلى نسخ جوجول المخبأة لكي أصل إليها؟ هل من سر يا سهى؟



تحديث: الصديقة العزيزة سهى. شكرا جزيلا للاستجابة ولإعادة نشر البوست بشكل فوري على مدونتك. لكن مازال السؤال عن سبب إلغائه لفترة ما من على المدونة يطرح نفسه، أكرر شكري ثانية يا صديقتي :))