Friday, January 30, 2009

ماذا يعرف الإسرائيليون عن حروبهم؟

عكيفا إلدار

عن هاآرتس

الأغلبية الساحقة من اليهود في إسرائيل لا يعرفون تفاصيل جوهرية عن الصراع مع الفلسطينيين (لماذا رفض العرب خطة التقسيم؟) وهم غير معنيين بالأرقام _( كم شخصا قتل في غزة منذ الانفصال؟) ويفضلون استهلاك المعلومات التي تقدم لهم في الإعلام المملوك بيد السياسيين. مع معطيات كتلك، يتساءل عالم النفس السياسي البروفيسور دانيال بار تال: ما العجب في أن يحظى "الرصاص المصبوب" بكل هذا التأييد الواسع؟

دانيال بار تال، من أبرز المتخصصين في علم النفس السياسي بالعالم، يعاني هذه الأيام من اكتئاب ما بعد الولادة. بالتزامن مع الحرب في غزة، ينشر دراسة رائدة شارك في إعداده مع الدكتور رافي نيتس تسنجوت، الدراسة تهتم بالذكريات التي يحملها الجمهور اليهودي في إسرائيل عن الصراع مع العرب، منذ بدايته وحتى اليوم. التأييد الكاسح لعملية "الرصاص المصبوب"، قام بالتصديق على الملاحظة الأساسية التي يطرحها البحث، في رأي بار تال: "يسيطر على وعي اليهود في إسرائيل الإحساس بكونهم ضحايا، ذهنية الحصار، الوطنية العمياء، الاعتماد على القوة، الرياء، عدم الإحساس والبلادة تجاه معاناة الفلسطينيين ومحاولة سلبهم إنسانيتهم. الحرب في غزة أذابت القليل من الأمل الذي كان لدى بار تال، في أن يستبدل الجمهور دفوف الحرب بهديل الحمام.

يقول البروفيسور في جامعة تل أبيب: "غالبية الشعب تحتفظ بذاكرة جمعية مبسطة عن الصراع، هذه الذاكرة ترسمنا بشكل إيجابي جدا وترسم العربي بشكل سلبي للغاية". هذه الذاكرة، مع شكل الصراع والأحاسيس الجمعية مثل الخوف والكراهية والغضب، تتحول إلى بنية تحتية نفسية وثقافية تنغمس عبرها الشعوب في صراعات عنيفة طويلة. يزعم بار تال أنه في واقع كهذا، يصعب حتى تخيل احتمال أن يتمكن الشعبان من التغلب على العقبات النفسية، بدون مساعدة من الخارج.

يميز الباحثون بين نوعين من الذاكرة الجمعية: الشعبية – الشكل الذي يتمثل به الجمهور الواسع الماضي، والرسمية – تلك التي تتبناها مؤسسات الدولة في المطبوعات والكتب والكتب التعليمية. فكرة دراسة الذاكرة الجمعية الشعبية في إسرائيل طرحها نيتس تسنجوت، وهو محام تل أبيبي عاد إلى مقاعد الدراسة. حيث يكمل هذه الأيام رسالة الدكتوراه الخاصة به في مركز دراسات الصراع بـ Teachers College في جامعة كولومبيا، وتهتم رسالته بالبنية التحتية للذاكرة الجمعية الرسمية في إسرائيل، بالنظر إلى تكون مشكلة اللاجئين في 1948.

بار تال انجذب لفكرة نيتس تسنجوت، وبتمويل من المنظمة الدولية لدراسات السلام IPRA، أجرى في صيف 2008 استطلاعا بين عينة ممثلة من 500 متخرجا يهوديا. اتضح في الاستطلاع أن التأييد الواسع للذاكرة الرسمية يشهد على درجة قليلة من التفكير النقدي، والإيمان بالقيم التقليدية، والتماهي الشديد مع الهوية اليهودية، والميل لسلب الإنسانية عن العرب وتأييد الخطوات العدوانية ضد الفلسطينيين.

في حوار بنيويورك يقول نيتس تسنجوت أنه، بشكل بارز، فأصحاب "الذاكرة الصهيونية" يرون إسرائيل واليهود كضحايا للصراع، ولا يميلون لدعم مسيرات السلام أو التسويات. ووفقا له، فالنتائج تؤكد على أهمية تغيير الذاكرة الجمعية، حتى تصبح أقل توجها وأكثر موضوعيا، بشرط، كما هو بديهي، أن يوجد أساس معلوماتي لهذا.

يرفضون النظر في المرآة

بار تال، والذي كان رئيس الرابطة الدولية لعلم النفس السياسي، هاجر إلى إسرائيل من بولندا عندما كان طفلا في الخمسينيات. ومن وجهة نظر رجل سلام، فهو ينظر إلى الشكل الذي خلقت به ذاكرة جمعية للحرب التي انتهت الآن في الجنوب. يقول:

"كبرت في مجتمع لم يتقبل أغلبه الواقع الذي حاولت السلطات رسمه وكافح من أجل مستقبل آخر.. لدى أفكار حزينة عن شعوب لديها هوية شبه مطلقة بين وكلاء الصراع، الذين ينمون من ذهنية الحصار والخوف الوجودي، وبين المجتمع. شعوب تستجيب بسهولة إلى نداءات المعركة وتتردد في أن تخدم من أجل السلام، لا تبقي أي مكان لمحاولات بناء مستقبل جيد آخر.

يشهد بار تال على أن الوعي الإسرائيلي بالواقع تم بناؤه أيضا في سياق من العنف الفلسطيني ضد المدنيين الإسرائيليين، ولكنه قائم بالأساس على توجيه متواصل يستند إلى الجهل ويقوم بتنميته. في رأيه، باستثناء قلة صغيرة تنظر إلى الماضي بشكل يقظ، فإن الجمهور الواسع يرفض النظر في المرآة. هو غير مهتم بمعرفة ما فعلته إسرائيل في غزة على امتداد السنوات. كيف تم تنفيذ الانفصال وما هي النتائج بالنسبة للفلسطينيين، كيف وصلت حماس للسلطة، كم شخصا قتلوا في غزة منذ الانصال بل ومن بادر بانتهاك وقف إطلاق النار في القطاع.

حتى برغم أن هناك مصادر متاحة تجيب على هذه الأسئلة، فالجمهور يقوم بالرقابة الذاتية ويتلقي الصيغة التي تسلمها له المؤسسة، في ظل عدم رغبة في اكتشاف معلومات بديلة –حتى لا يربكوه بالحقائق. نحن شعب نعيش في الماضي، متشرب بالخوف ويعاني من الانغلاق الفكري المزمن"، هكذا يجلدنا بار تال: "بعد التجربة المريرة في حرب لبنان الثانية، والتي صودرت فيها ذاكرة الحرب من أيدينا، قرر رؤساء الدولة ألا يدعوا هذا يتكرر. قرروا كيّ وعي اليهود في إسرائيل، ولذا فلقد مورست رقابة صارمة على المعلومات."

يدعي أن وسائل الإعلام قد ساعدت السياسيين، وقد تم تجنيدها طواعية. فكل قنوات الإعلام تقريبا ركزت على الإحساس بكون سكان الجنوب ضحايا وتجاهلت بشكل تام تقريبا – قبل الحرب وأثنائها – وضع سكان غزة المحاصرة. كل من القصص الإنسانية من مستوطة سديروت وسلب الإنسانية عن حماس والفلسطينيين، قد أوجدا الرغبة في ضرب غزة بكل قوة.

الصراع كأيديولوجيا

"طابع الصراع مزروع عميقا في المجتمع اليهودي بإسرائيل"، كما يقول بار تال: "إنها أيديولوجية متجذرة تبرر أهداف اليهود، تتبنى صيغتهم، وتعرضهم بشكل إيجابي جدا وتسلب الشرعية عن العرب والفلسطينيين بالأخص."

هكذا، ففي رد على سؤال عن سبب فشل المفاوضات مع الفلسطينيين في صيف 2000، أجاب 55.6% من المشاركين في الاستطلاع أن: "باراك عرض على عرفات اتفاقية سلام سخية للغاية، ولكن عرفات رفضها، لأنه لم يرغب في السلام بالأساس". 25.4% اعتقدوا أن كلا الطرفين مسئول عن الفشل و 3% أجابوا بأن ياسر عرفات كان مهتما بالتسوية ولكن عرض باراك لم يكن سخيا بما فيه الكفاية. 16% قالوا أنهم لا يعرفون.

أكثر من 45% من اليهود نقشوا في ذاكرتهم الصيغة القائلة بأن الانتفاضة الثانية اندلعت لأن عرفات خطط للمواجهة مسبقا. فقط 15% منهم يصدقون الموقف الذي عرضه ثلاثة من رؤساء الشاباك، القائل بأن الانتفاضة كانت في أساسها انفجاراً للغضب الشعبي. أكثر من نصف من توجه إليهم السؤال يحمّلون الفلسطينيين مسئولية فشل مسيرة أوسلو. 6% منهم يحمّلونها إسرائيل و 28.4% يحمّلوها الطرفين بنفس الدرجة.

40% ممن توجه إليهم السؤال لا يعرفون أنه في منتصف القرن التاسع عشر كان العرب هم الغالبية الحاسمة من سكان أرض إسرائيل (فلسطين)، وأجاب أكثر من نصفهم بأن خطة التقسيم التي عرضت على العرض كانت ملائمة لنسب السكان – بل وفاقتها في المساحة. 26.6% لم يعرفوا أن الخطة عرضت على 1.3 مليون عربي قطعة أرض أصغر كثيرا (44%) من تلك المعروضة على 600 ألف يهودي (55%). يزعم بارتال أن تشويه الذاكرة هذا هو أمر غير عرضي: "معرفة كيف قسمّت الأرض يمكنها أن تطرح الأسئلة بخصوص الصيغة التبسيطية، والقائلة بأننا قبلنا خطة التقسيم وهم لم يقبلوها."

مع هذا، فالبحث يرينا أن جزءا كبيرا من السكان اليهود (47.2%) يعتقدون أنه في 1948 تم طرد العرب، بينما يفضل 40.8% الصيغة الصهيونية القديمة، والتي غادر وفقها اللاجئون الأرض بمبادرة منهم.

وجد نيتس تسجنوت أن هناك درجة من النقد الذاتي حتى في إجابات السؤال عن المسئولية الشاملة وراء الصراع. 46% ممن توجه إليهم السؤال يعتقدون أن المسئولية موزعة بشكل متساو تمام بين اليهود والعرب، 4.3% يعتقدون أن اليهود بالأساس هم المذنبون. 43% يعتقدون أن العرب والفلسطينيون بالخصوص هم المسئولون.

بار تال يقول أنه لا يجد عزاء في معلومة أنه حتى الذاكرة الجمعية الفلسطينية تعاني من أمراض مشابهة، وأنها تحتاج أيضا إلى تغيير عميق حتى تنظر الأجيال القادمة في الشعبين لبعضها البعض بشكل متوازن وأكثر إنسانية بالأساس. بين الفرنسيين والألمان، بين البروتستانت والكاثوليك في شمال أيرلندا، تأخذ هذه المسيرة عشرات السنوات. متى، أخيرا، سوف تبدأ عندنا أيضا؟

ترجمة: نائل الطوخي


3 comments:

SOLITUDE® said...

تسلم يا نائل على ترجمة المقال

لكن أنا عندي تساؤل محيرني...الناس اللي بالعقلية دي داخل إسرائيل، إيه منطقهم في حق التواجد على أرض فلسطين المحتلة؟؟
يعني الكاتب ده جاي من بولندا في الخمسينيات، يعني عارف إنه جاي من بولندا، إيه اللي مخليه مؤمن بإن له حق في وجود إسرائيل

والعجيب فعلا آخر المقال، لما يتهم العقلية الجمعية الفلسطينية بإنها تعاني من نفس الأمراض اللي ذكرها بخصوص العقلية الجمعية الصهيونية (الإسرائيلية) وإنه يخلي المقارنة بين الشعبين زي العلاقة بين الكاثوليك والبروتستانت أو الفرنسيين والألمان، أو حتى بين العراق والكويت!!

nael eltoukhy said...

مممممم طبعا يا سوليتيود انا ماقدرش اجاوب على التساؤل دا بما اني مش الكاتب يعني
لكن ممكن اطرح احتمالية لاجابة السؤال الاول

يمكن هو مؤمن مثلا ان اليهود والعرب ممكن يعيشوا مع بعض، والدين مش لازم يفرق بين البشر، بشرط ان الدولة ماتبقاش دولة يهودية او عربية وانما ديمقراطية لكل مواطنيها
المشكلة ف فلسطين مش ان فيه يهود هناك، لان اليهود كانوا عايشين هنا، المشكلة في التمييز العنصري ضد العرب وان دولة تعلن عن نفسها انها دولة يهودية بدل ما تكون دولة ديمقراطية

بالنسبة للسؤال التاني فماعنديش عنده اجابة. :)

أسماء علي said...

اسرائيل دولة حاليا
فلسطين سلطة تبحث عن دولة ..

حتى لو هناك اسرائيليين لهم طريقة التفكير بأن اسرائيل مُذنبة أو الطرفان على ذات القدر من الخطأ لكن في النهاية سياسة الدولة يحكمها السياسيون و الحكومة .. بمعنى آخر حتى لو هناك تفكير في دولة ديمقراطية مثلا على حد افتراضك .. و لو تخيلنا أن الحكومتين من الأساس اتفقوا .. سنواجه المشكلة الدائمة بأن الشعوب تملك تراث جمعي من الكره للآخر .. دولة ديمقراطية تحتاج إلى تفكير آخر ..

همممم مش عارفة هي وجهة نظري اتفهمت و لا لأ ..

..

:)