عزيزي الأديب والناقد الكبير:
أتيتني من أيام. هائش الشعر حزينا.. أشعلت سيجارة وشكوت لي من الرواية الذهنية الجديدة. وقتها ربت على كتفك وطلبت منك ألا تشغل بالك بها، فهي موجة وسرعان ما تنتهي، كما انتهت سابقاتها، وكما ستنتهي، إن شاء الله، لاحقاتها. وقتها أخبرتني أن الأمر صار أصعب من أن يتم السكوت عليه. وطلبت مني أن أسعفك.
وعليه، والتزاما مني بمبادئ الاحترام والمودة اللذين أكنهما لك، فإنني أمدك ببعض القواعد التي تتمكن بها من إنهاء أي أثر للرواية الذهنية في مصر والعالم العربي، وأنت جالس في مكانك، تحرك الأشخاص من مقعدك الثابت بالجريون:
أولا: قاعدة "ليكو راجل يترد عليه":
هاجم كونديرا. كونديرا هو أساس الرواية الذهنية وهو من لعب في عقول أولادنا حتى يمشيهم في سكة الغلط. كونديرا كان عميلا للغرب كما تعلم، وهو يهاجم الاتحاد السوفييتي بأوامر من الغرب. لا تلتفت لما أثير مؤخرا عن عمالة كونديرا للروس. هي مجرد أقوال تهدف للتشويش على الحقيقة الخالدة: وهي أن كونديرا كان، ولا زال، وسيظل، عميلا للغرب الذي هو ضد مصالحنا العربية، والرواية الذهنية التي كتبها، والتي يكتبها الأطفال هنا أيضا، تصب في نفس الهدف. أقول لك؟ سب الدين لكونديرا.
ثانيا، قاعدة "إحم، أنا آسف جدا، لكن مضطر اقول إن زبي ماوقفش":
من المهم بالنسبة لشخص قاسى الكثير في حياته مثلك أن يستمتع بانتصاب قضيبه بين الحين والآخر. الرواية الذهنية كما تعرف هي رواية ذهنية، وهذا يعني أنها لا تهتم بالجنس، وإذا اهتمت به فهذا سيكون لصالح أغراضها الذهنية البغيضة، وأنت إنسان يا باشا، وتحتاج لمن يثبت لك أنه لازال فيك الرمق، على صعوبة هذه المهمة، فأنت سنك كبير، وربما يحتاج الروائي لبعض الجهد حتى يجعلك تستمتع بالانتصاب اللذيذ إياه تحت بنطلونك. هذه النصيحة معقدة، لأنك عندما تلتفت إلى الرواية الحديثة بشكل عام، غير الذهنية، سيلزمك أن تهاجم الجنس فيها، ليس بوصفه جنسا طبعا –فأهلك لم يربوك على هذه الأباحة – ولكن بوصفه غير مبرر دراميا ولا فنيا، بوصفه (وهي كلمة أنت تحبها) "مجانيا". من المهم جدا التمييز بين قرفك من غياب الجنس وقرفك من وجوده، أي، من المهم جدا التمييز بين الرواية الذهنية وغير الذهنية.
ثالثا، قاعدة "أهمية اللحمة في المسرحية":
شوف. الروائيون الذهنيون غالبا ما لا تكون شخصياتهم من لحم ودم. وأنت تموت في اللحم والدم. هاجم الرواية الذهنية لأن كاتبها غير معني بأن "تصدقه" أو تصدق شخصياته. يعني بطل الرواية قد يرتكب عملا جنونيا مفاجئاً، مثل ارتكاب جرائم قتل متتابعة ضد أفراد من عائلة البستاني مثلا، لأن بطرس، جدها الأكبر، ترجم بشكل خاطئ إحدى جمل سفر التكوين. سيكون مجديا هنا أن تسأل الروائي عن مصدر السلاح الذي حصل عليه بطله، ومن أين توفر له المال لهذا وهو مجرد مدرس ابتدائي (جرس الإنذار يدق في عقلك: الروائي لم يذكر هذه التفصيلة لأنه يريد تجنب الحديث عن مشاكل العاملين بوزارة التربية والتعليم)، وسيكون مهما أن تسأله لماذا لم يتم اكتشاف جرائم البطل المتتالية من جانب أي أمين شرطة يمر في الشارع (هل أراد الروائي القفز على تفصيلات تتعلق بالتعذيب داخل أقسام الشرطة؟ هل يقبض الروائي مرتبه من وزارة الداخلية؟ هذا سؤال مشروع طبعا).
رابعا، قاعدة "إديله القاضية، في الحتة الفاضية":
الجهل السياسي للروائيين الذهنيين يستفزك. غير معقول مثلا أن يتحدث واحد منهم عن كرسي الاعتراف في القرن التاسع عشر بينما هو لم يستمتع بالجلوس مع عم إبراهيم منصور أو وهو لما يشوف كمال خليل لا يسلم عليه وبهذا يكشف عن كونه عبيطا بشكل لا يمكن السكوت عليه (أم أن هذا ليس عبطا، وأنه استعباط. بكلمات أخرى: هل الروائي الذهني موجه في هذا)!؟ وارتباطا بالملاحظة السابقة: لا يمكنك أن تهاجم الروائي الذهني لأنه عميل، فهو مازال طفلا ومش من دورك حتى تتعافى عليه، ولكن عليك أن تلمح دوما إلى أن روايته التي يكتبها هي تلك بالضبط التي يروجها السي أي إيه، ولا تنس في هذا الصدد معلومة أن نصف ميزانية البنتاجون تذهب لتمويل الرواية الذهنية في مصر. ابعد هنا عن ساراماجو شوية، فهو لن يفيدك، الرجل يساري عتيد حتى مع كونه يكتب رواية ذهنية. شوف: إعمل نفسك ما تعرفوش، ولو شفته ماتسلمش عليه، وبهذا تنتقم لكمال خليل في نفس الوقت.
خامسا، قاعدة "شايفك يا حرامي":
الرواية الذهنية – بطبيعة كونها كذلك – هي رواية مسروقة. وهي بنت التقاليد والثقافية الغربية وليست بنت عاداتنا وتقاليدنا، التي جاءت رواية جيلك أنت فقط لتؤكدها. وإذا كانت الرواية الذهنية مسروقة من الرواية الغربية، فالأجدى أن نقرأ الرواية الغربية نفسها، مش كدا؟ هنا ستضطر لتهدئة المسائل مع كونديرا، هو راجل طيب على كل حال، وهو كاتب كبير على كل حال، وهو المسروق منه على كل حال. والمشكلة فقط فيمن يسرقونه هنا. فتش عن تليفون ناشره. حذره من اللصوص المصريين لكتبه. قل له أن حالة السرقة واضحة: فهو، أي كونديرا، يفكر، والروائي الذهني، أيضاً، يفكر. أرسل تحذيرك في مسج للناشر. واجلس في بيتك منتظرا رد الفعل.
سادسا، قاعدة "أهم حاجة الشباك":
أنت حبيب الشعب. ولقد عملت، وتعمل، وسوف تعمل، من أجل عيون الشعب الطيبين. الرواية الذهنية هي رواية بلا شعبية، وهي صعبة على الشعب، وهي تسهم في تعميق الفجوة بين الأدب والشعب – وهي الفجوة التي قام جهدك كله، عبثا، على هدمها. وإذا حدث وصار لرواية ذهنية ما شعبية، فهذا لا يعني أنها اقتربت من الشعب، سيخدمك هنا أن تتشنج قليلا، وتقول إن الشعب الحقيقي لا يفهم هذه الألغاز، (وتناس قليلا أن الشعب الحقيقي لم يفهم أعمالك أنت أيضا، حتى على الرغم من كونها ليست ألغازا). أنت مخلص لتاريخك بالمناسبة، والذي قام كله على أن تطالب للشعب بالأشياء التي لا يريدها الشعب، أو حتى التي يكرهها الشعب.
سابعا، قاعدة "أنا لو وقعت أسامي كبيرة أوي هتقع معايا":
وسع رقعة المعركة.. الحرب لا تدور رحاها في القاهرة فقط، والحل ليس لبنانيا لبنانيا، كما تعرف. ورط جميع دول العالم في ما يحدث. أمام كافكا وبورخس وكونديرا وصمويل بيكيت وآلان روب جرييه، لا تمل من ترداد أسماء أخرى بعينها، لكي توقف الأسماء المذكورة عند حدها. ردد أسماء مثل تولستوي وتشيكوف وهيمنجواي، وفي حالة كونك ناقدا أريبا فاضرب بدوستويفسكي الجميع، ومن الذي لا يحب دوستويفسكي!؟ وعرضا، بجانب هذه الأسماء، اذكر محفوظا. محفوظ كاتب عالمي ولا حرج إن استعملته في حرب الكواكب التي تديرها من أتيليه القاهرة. السن مهم في هذه الحالة، فكونديرا وبول أوستر مثلا هم عيال، على الرغم من أنهما قد يكونان أكبر منك سنا، وكونهما عيالا يجعل لك كلمة عليهما. ومن المؤسف، بهذه المناسبة، أنك لا تستطيع اعتبار كافكا عيلا، على الرغم من أنه مات عيلا فعلا. قلبي عندك.
ثامنا، قاعدة "اللهم اهلك الظالمين بالظالمين":
أنت بالطبع، كما يليق باي شخص يعمل بالثقافة، تحقد على علاء الأسواني. هذا حقك الطبيعي، ولا جدال في مشروعيته. ولكن سوري، علاء الأسواني لا يمثل خطرا، أما الرواية الذهنية فهي تمثل خطرا. هكذا ستحسب جيدا انتماءاتك ومصالحك وتقرر أن تضرب نموذج الرواية الذهنية بنموذج علاء الأسواني، وتعلن أمام حشد من الروائيين الذهنيين أن الأسواني عاد للشعب فأحبه الشعب. اللعبة معقدة. ستبرق عيون الروائيين الذهنيين حقدا، سينصرف بعضهم إلى كتابة الرواية الأسوانية والتخلي عن الرواية الذهنية، وسينصرف البعض الآخر إلى محاولة تشويه وتحطيم صورة علاء الأسواني. وفي الحالتين أنت الكسبان، بنظرة البراءة في عينيك والتي أتمنى أن تلازمك في الأيام الصعبة القادمة.
تاسعا: قاعدة "اعترافات ليلية":
هناك بعض الوصمات في تاريخك. فأنت بدأت عملك معادياً للجمهور. وأنت بدأت عملك بما تصورته وقتها تجريبا. وأنت بدأت عملك رافعا لشعار "لا للحدوتة"، أي أن عملك من البداية كانت له بعض مواصفات الرواية الذهنية، إذا وسعنا المصطلح شوية بسيطة. ما الذي تفعله في هذه الحالة؟ حسنا. تبرأ من تاريخك الأسود. ولكن تبرأ بحب، بروعة، بإشراق. ابتسم بحنين: "ياااااه. كم كنا سذجا. كم كنا ثوريين". هذا الحنين والتعاطف مع الماضي الأسود ليس أبديا. هو ينقلب إلى ثورة عنيفة ضد من يتصورون أنهم يكتبون تجريبا اليوم. الخطأ من حقك أنت وحدك. استخدم سحر الشيخوخة في هذا. وعلى قدر مهارتك، والأهم: على قدر سنك، سيتعاطف من أمامك معك.
عاشرا، قاعدة "فعلا، هو حلال علينا حرام على غيرنا":
متصلة بما سبقها. الذهنية ليست غلطا في المجمل. لاحظ أنك قطعت السرد كثيرا في رواياتك، لتكتب عن سحر الاشتراكية، وعن ثورتك ضد عبد الناصر وحبك له في نفس الوقت، وعن السد العالي وعن انقلاب السادات على ناصر. راجع جميع رواياتك وروايات زملائك، إعمل جردا بالمواضيع التي أوقفتَ السرد عندها وكتبت تأملات مجردة. وهي مواضيع كثيرة، لسوء حظك، لا تبدأ بحريق القاهرة ولا تنتهي عند حروب الخليج. المهم. أصدر أنت وزملاؤك مانيفستو جديدا يشرح أن هذه المواضيع فقط هي التي يمكن التوقف عندها وكتابة فقرات ذهنية، (ومن المهم جدا أن يكون الموقف السياسي للكاتب واضحا في هذه الفقرات، وأن يكون متسقا، ومتطابقا، مع الموقف العام للمثقفين المصريين)، وعندئذ فلن تسمى تلك الكتابة "كتابة ذهنية"، بل ربما يطلق عليها في المانيفستو: "سردا تأمليا رائقا لأوضاع الوطن"، وهو وصف أظرف وأشيك بكثير، كما تلاحظ، من بديله المرعب "كتابة ذهنية."
1 comment:
انا عمري ما شفت كونديرا في الجريون بس لو شفته المره الجايه هاقول له اللي انت بتقوله عليه :)
Post a Comment