وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم
آية جميلة. هذه المرة لا يمكنك الإنكار يا روودي. انسى شوية موضوع "الذين أوتوا الكتاب"، وخلينا نفكر ف المهم. آية عن جدل المعرفة والسلطة، كيف تضخ المعرفة مزيدا من السلطة وكيف تضخ السلطة مزيدا من المعرفة، ولو! قليلي هاي!؟ الآية تستنكر هذا الارتباط، وإن كانت تعترف بوجوده، لا تحبه، وتراه سبيلا للتفرق. الآية ترغب في الفصل النقي، التطهري، بين العمليتين يا رضا، المعرفة والسلطة. ولكن من، قبل فوكو وإدوارد سعيد، من كان يمكنه اتخاذ موقف أخلاقي غير هذا؟
***
تعرف يا رضا. الناس، ومن يطلق عليهم اسم "المثقفين" يحبون أن يقرأون، أو هكذا يقال، ولكن بجانب هذه العادة الجميلة، والمفيدة طبعا كما يعلمنا التليفزيون، فهم يحبون الحديث عما قرأوه، وقعدات القهاوي هي العملية المتممة للقراءة. هناك تتحول القراءة إلى سلطة، إلى تطليع بتاع، شخرة ضد من لم يقرأ بعد، ضد الجهلة والناس العاديين، وهذا شيء طبيعي، وليس كارثيا كما صوره القرآن والكثيرون من قبله ومن بعده، المعرفة سلطة وإثبات تفوق.
***
طبعا يا رضا أنت لاحظت وأنا ألمحت: الحديث عن "القراءة" يجعلني شيئا أشبه بمدير أعمال سوزان مبارك، أوكي، خلينا نتحدث عن "قراءة الروايات"، ولهذه فائدة ستعرفها على الفور: الأصل في "قراءة الروايات" أن نقرأها لأننا ننبسط بقرايتها، يعني شيء مثل، خلينا نقول، شرب الملوخية، نحن نشرب الملوخية لأننا نحب طعمها، وليس أي شيء آخر. ليس الأمر على هذه الشاكلة في "قراية الروايات". لا أتصور شخصا يقرأ رواية لكاتب لا يعرف عنه شيئا –وإنما بس يسمع اسمه – لأنه يريد أن يتعرف عليه، لأنه "ينبسط" بعملية التعرف هذه، وإنما لسببين أكثر أهمية، الأول أنه كاتب أو يريد أن يكون كاتبا، ولابد من معرفة السوق الذي يضع قدمه فيه، والثاني لأنه مثقف أو يريد أن يكون مثقفا، ولابد من إثبات أنه الأكثر تفوقا أمام زملائه المثقفين أو غير المثقفين. هكذا تتحول المعرفة لسلطة، لا متعة، وهكذا يجيئنا العلم بغيا بيننا، بغيا ونفسنة، بغيا وتطليع أيمان اللي قدامنا.
***
كيف تتحول "قراية الروايات" إلى متعة خالصة، كمتعة شرب الملوخية، بدون أي تدخل من "السلطة" في الموضوع؟ هذا سؤال يطرح نفسه. في انتظار إجابتك يا روودي المرة القادمة.
***
هامش: على فكرة، وبالمناسبة يا رضا، لا أحد يأكل الملوخية لأنه مولع بها، على حد علمي، وإنما لأنها موجودة ولأنه لازم ياكل، وبالمناسبة، كثيرا ما يأكل البعض منا للحديث عن تفوق المطبخ الصيني على الفرنسي أو العكس، أو لإثبات خبرة استثنائية في مسامط وعربيات فول القاهرة. وبالمناسبة كمان، كل حروب العالم كانت صراعا على الأكل، "لقمة العيش" إذا استعملنا المجاز الشائع، وليست صراعا على الروايات. الأكل طول عمره يا رودي كان "بغيا بينهم"، تطليع بتاع وشخرات متتالية. الحديث عن نقاء متعة شرب الملوخية بالمقارنة بقراية الروايات كان خدعة بسيطة مني. لا تتصور مقدار حزني لو كنت قد صدقتها يا حبيبي :)