بما أنني أشرب الشاي أحيانا، وهذا ليس سرا، إذن فلا ضير من الحديث بحرية عن المدلولات السيميوطيقية لتجربة شرب الشاي.
***
بعد بضعة شفطات يكون الشاي قد أوشك على الانتهاء، يكون التفل، يحيط به بعض السائل، قد شكل بحيرة راكدة في قعر الكوباية. يأنف ذوو الأنفس العفيفة من إكمال شايهم، أما أنا فألحقهم بعد شفطة. أشفط شفطة من البحيرة الراكدة بالأسفل، والنتيجة الحتمية هي أن خيطا من تفل الشاي، أو بالأحرى، مجموعة من الخيوط المتجاورة المرصوصة بشكل منتظم وهندسي بديع كأنها سرب من النمل، تتكون على جدار الكوباية الداخلي واصلة ما بين حافتها الفوقانية حتى قعرها التحتاني. الوصل بين الأعلى والأسفل، وإذا شئتم، بين السماء والأرض، هو مغزى الشكل الدرامي لتفل الشاي في هذه اللحظة المصيرية.
***
شعر عانة المرأة، ويسميه العوام من أهل مصر شِعرتها، هو شيء ما قريب، خيط من الشعر، المقرف بالمناسبة، أو بالأحرى، مجموعة من الخيوط المتجاورة المرصوصة بشكل منتظم وهندسي بديع كأنها سرب من النمل، تصل من تحت السرة بقليل إلى قعرها بالضبط، إلى فرجها، ويسميه نفس العوام إياهم كسا. الأثر هنا، الtrace، الشيء الذي يلمّح فقط بوجود الأصل، هو المهم. هذا الأثر هو الشِعرة أو خيوط تفل الشاي، وهو لا يتجه من فوق إلى تحت، كما تبين لنا القصص الدينية عن الملائكة المتجهين من الله دائما إلى الإنسان، وإنما من تحت إلى فوق بالضرورة. تعلمون يا أحبابي أنه لولا التفل لما كانت خيوط التفل ولولا العانة لما كان شعر العانة.
***
ولكن، لا ينتهي الموضوع عند هذا الحد، فذاك الأثر الصاعد إلى فوق، متحديا قانون الجاذبية، المنجذب من جلال القاع إلى بهجة السرة، أو، لنكن أكثر اباحة، السوة، أو حتى إلى حواف الكوباية، يجد له منافسا قادما من الناحية المقابلة. يحكي سلفادور دالي أنه بينما كان يرسم اندلقت القهوة عليه وتخللت مسام القميص لتصل، متحركة بحريتها أسفل القميص، إلى بطنه. يقول أن كل الناس كانت لتشعر بالضيق من هذا ولكنه هو فقط، لأنه عبقري كما يصف نفسه، فقد استثير من ملمس القهوة لصدره نازلا على جلده وصولا إلى عانته، التي يطلق عليها البعض، في خيال بديع، عش الحمام، وتم تشبيهها هنا بالبحيرة التي ترسل دائما الإشارات إلى فوق، وتلقت هي الإشارة من فوق هذه المرة.
***
عش الحمام، الدغل الذي تختبئ فيه الحمامة ببيضتيها، بالنسبة للرجل، هو مجاز دقيق، ولكنه يغدو أقل دقة فيما يتعلق بالمرأة، ليس للمرأة حمامة ولا لحمامتها غير الموجودة بيض. شط الترعة هو مجاز أكثر دقة، الترعة، ذاك الشق الغائر في الأرض القابل دوما للارتواء والمزروع على جانبيه بالعشب، ويستمر العشب في النمو، بعد انتهاء الترعة لمسافة ما، بقوة القصور الذاتي ربما، هو مجاز من ابتكار كاتب هذه السطور، وأي اقتباس منه أو نقل عنه فهو شيء طبيعي، لأن الناس أحيانا تفكر شبه بعضها.
***
في رواية عيد العشاق لسامر أبو هواش يشاهد الزوج فيلم بورنو مع زوجته. يشاهد امرأة قد حلقت عانتها بعناية. يشهق. تسأله إن كان هذا يثيره، ويجيب بأن نعم. انا مش فاكر ايه اللي حصل بعدين، لكن ليا واحد صاحب واحد صاحبي يقطع بأن امرأة حلقت شعر إبطها هي امرأة لا تسوى في سوق الحريم نكلة. حاولت اتخيل موقفه دا او افهمه ولم افهمه. الشيء الوحيد المفهوم بالنسبة لي ان هو أن امرأة بلا حواجب او بلا شعر رأس، وأعتقد أن هذا يسري على الكثيرين غيري أيضا، هي امرأة فضائية بلا جدال، إليان، وهذا مقرف.
***
وحدهم الرجال، في مملكة الذكورة الهانئة التي نعيش فيها، لهم الحق في أن يحلقوا ما شاءوا أو يطيلوا ما شاءوا، وحدهم لهم الحق، من الناحية الشعرية، في أن يكونوا إليانز، يعني بالعربي ألايين.