- روايتي صالحة لكل زمان ومكان
- يكشف وقائع كتابة "فتاة الليل الحزين" ويعلن: لم أقدم تنازلات
حوار: نائل الطوخي (بمشاركة شرفية مهمة من أسامة فاروق)
وائل يصدر رواية.. هذا خبر عادي، لا يثير الدهشة، الرواية هي تحصيل حاصل بالنسبة لوائل الذي عرفناه جميعا مبدعا في مقالاته الصحفية ونصوصه السردية الفريدة التي ينظمها على صفحات الفيسبوك. وبرغم عادية الخبر، فإن واجبي كان يحتم عليّ محاورته بخصوص الرواية، لأنه قد قام بمحاورتي منذ أيام، مع الزميل أحمد ناجي، بمناسبة بلوغي الثلاثين عاما. عندما طرحت الفكرة على الزميل أسامة فاروق بادرني بترحيبه وأخبرني أنه هكذا سوف نتمكن من تقديم درس للأجيال الجديدة حول الوفاء لمن سبق وقدموا لنا جميلا، وأهمية رد المعروف وعدم إنكاره، وضرورة تنمية الحس الإنساني في قلوبنا. وكلي أمل في أن أتمكن من رد التحية لأحمد ناجي قريبا، عبر مقال أكتبه عن روايته أو إشادة بعمله الروائي والصحفي في أحد المنابر الثقافية المهمة الموجودة الآن. وإلى نص الحوار:
- نبدأ من البداية: لماذا ليسبو؟ ولماذا في هذا التوقيت بالتحديد؟
- (يرتكن على الفوتيه الفاخر بركن كبار الزوار في مكتبه بالعمل) هذا سؤال صعب ويعيدني لفترات بعيدة جدا ف الزمن. قراءتي الاولى وكتابتي الاولى. لقد عشت عمري أكتب ولا انشر. كاتب الادراج، كاتب الخفافيش، أيا كان المسمى. كنت أستمتع ولا أريد لأحد غيري يستمتع. ليسبو ألحت عليا. ضغطت عليا. دفعتني دفعتني (ليس خطئا مطبعيا. يكررها فعلا). هل تسرعت؟ هل خسرت كتير عندما تخطيت الدايرة المغلقة؟ هذا سؤال جدير بالاجابة. على العموم، وللإجابة علي سؤالك، لابد أن أحكى لك حكاية: كنت أمر بشارع التحرير بالدقى فى الليل. بجوار مبنى "هيرمس" التابع لزياد بهاء الدين، لمحت على جدار جملة لن أنساها طول عمرى، كانت الجملة كالآتى: "بحبك يا وردتى". الكاتب المجهول الذى نقش جملته السحرية لم يفكر فى السبب، لم يتساءل بينه وبين نفسه عن سبب حبه للوردة، أو بشكل أدق "وردته" هو.. أو يطرح السؤال علينا.. لقد كتب ما كتب دون أن يفكر أو يطرح السؤال على نفسه أو على أحد. لكن الأمر يختلف فيما يخص "ليسبو"، أولا لابد أن نفكر فى تسجيل تاريخنا، أن نسجل التاريخ بشكل يتناسب مع التربية التى تربينا عليها، والأدب الذى قرأنا.. من الممكن اعتبار أن حادثاً مثل حادث التحرش بالزميلات الصحفيات على سلم النقابة كان الدافع. إلى متى سنظل نصطدم بأحداث مسيئة ولا نتحرك؟ (يخرج منديلا. يمسح دمعة أوشكت على النزول. يتابع وعيناه ملتمعتان من التأثر): حينما سمعت عن الحادث، حيث كنت وقتها مستغرقا فى قراءة رواية "الدرفيل أو فتاة الليل الحزين" للكاتب الجامد محمد أحمد، ساعتها سمعت عن الحادث وفكرت أن أكتب. أخذت أكتب.. لسنوات وسنوات.. أنتهى من رزم الأوراق وأبدأ فى أوراق جديدة.. الرزمة تأتى برزمة.. وهكذا كنت أقرأ بعض الأسطر من الرواية، رواية الدرافيل، وأعود للكتابة.. وبعد أن أنتهيت من الرزم بدأت فى تنقيح العمل..استغرق ذلك السنوات والعقود (ملحوظة المحرر: استغرقت كتابة ليسبو خمسا وثلاثين عاما، كان أصدقاء وائل يلحون عليه في نشرها ولكنه كان مبضونا منهم ومنها). يتابع: حينها شعرت أن ليسبو انتهت. أما بالنسبة للسؤال عن التوقيت: فيمكننى أن أجيبك دون أن ادعى التواضع أن كل الأوقات هي أوقات ليسبو، والجملة الأخيرة من الممكن نشرها باعتبارها عنواناً. (ملحوظة المحرر: وقد كان!)
***
- يدخل أسامة فاروق (يحمل كيس شيبسي كبيرا، بتلاتة جنيه). يسأله أحمد وائل: بطعم ماذا هذا؟
- أ. ف: الجبنة.
- أ. و: (يتأمل كثيراً) نعم. كويسة الجبنة.
***
- نائل الطوخي، مستكملا طرح الأسئلة: وهل ياترى قدمت تنازلات من أجل نشر أول عمل لك؟
- أ. ف: هذا سؤال ساخن جدا على فكرة.
- أ. و: انا زي ما انا.. ممكن تقول وائل زي ما هو، ماتغيرش. انت شفت حاجة؟ (بعصبية وصوت مشروخ) إنت بتجاورني ف العمل. بنتقابل كتير. هل إنت شفت إن أنا اتغيرت؟
***
- بالنسبة لليسبو. هل ترى أنها تفضح المسكوت عنه في الرواية العربية؟
- (بسرعة شديدة كأنه يتوقع السؤال) طبعا. من زمان.
- إجابتك غامضة قليلا، فهل يا ترى تقصد ليسبو من زمان، أم الفضح من زمان، أم المسكوت عنه من زمان؟
- كله من زمان. هو حاجة كويسة عالعموم. (يردد الجملة أكثر من مرة وهو يتأمل السقف) فضح المسكوت عنه. فضح المسكوت عنه.
- أ. ف: في الرواية هناك كمترى وبطاطس وبرتقان. لماذا هذه الأشياء بالتحديد؟ ما علاقتك بها؟ لماذا لم تضع الجوافة مثلا، مع أنها نفس شكل الكمثرى؟
- (يفكر طويلا ثم يقول): الكمثرى حلوة.
***
- ن. ط: وبالنسبة للتمويل الأجنبي الذي يشاع أنه وراء الاسم الأجنبي لروايتك؟
- صديقى العزيز.. أنت ما زلت "ساذجا" "عبيطا" تخوض معارك غيرك.. اعترف من وراءك، بلسان من تتحدث يا سيد نائل..من؟ (يقف ويمسك بالكرسى ويهشمه على المكتب، ثم يوجه أصبعه للمحرر مكررا المقطع الاخير من السؤال "من" "من") هل تتهمنى بالعمالة؟ (يجلس على كرسى آخر ويتابع الحديث) احم ..إننى لا أبيع روايتى وتاريخى وسمعة الجيل الحالى، الاسم الأجنبى لم يعد دليل عمالة، بل دليل اكتفاء وثقة فى النفس، أننا لا نتخوف من استخدام العنوان الاجنبى مثلا أو نريد أو نتسول الترجمة..أقول لكل من يفكر بهذه الطريقة: أدفن نفسك يا ملعون داخل أقرب جبانة يا جبان. أنا لم ولن أمول من أى مكان أو أذهب إلى جهة تمويل أجنبى..وأختتم كلامى فى هذه النقطة أن الاسم الأجنبى (يطلب نسكافيه بلاك ولا يعاود الكلام إلا بعد حضور المشروب ويدخن سيجارة ثم يعاود): كما قلت من عشرة دقائق وما الاسم الأجنبى إلا خدعة.. لن يفهمها أمثالك من الحاقدين.. انت ومن وراءك. عزيزى الأخ نائل أرجوك لا تدمر تاريخك، لا تبيع نفسك للشيطان.
- للتوضيح فقط لأن الأمر يمس كرامتي المهنية، فأنا لا أدمر تاريخي وإنما أتركه يدمر نفسه بنفسه، وعموما، لتلطيف الموضوع، فهذا هو سؤالي الأخير: ما رايك فيمن يرددون بأن روايتك مسروقة بالحرف من رواية الروائي العالمي محمد احمد "الدرفيل او فتاة الليل الحزين"؟؟
- كما قلت لك فى السابق أننى كنت أعيش فى احد فترات حياتى كقارئ لهذه الرواية.. أنا لا أقصد أن أسئ للعظيم محمد أحمد، لكن الضمير يتحدث الآن، رواية الدرفيل بها مشكلة رهيبة.. هي تعتمد على نص مسروق، الرواية كلها مخطوط تركه أحد أصدقاء محمد أحمد على طاولة بمقهى ريش ودخل إلى الحمام، وحينما عاد إلى الطاولة لم يجد المخطوط.. الطاولة كان يجلس عليها محمد أحمد وشخص آخر. لكن ما يؤكده الكثيرون أن الشخص الآخر كان لا يقرأ ولا يكتب، وفيما بعد عرفناه بالناقد سيد كرشيندو، هذا الرجل الجميل الذى تنقل بين النقد والرواية والعزف، ولكنا نتذكر عمله الخالد "الدرفيل أو سيدة البانيو الحزينة"..لماذا تتهمنى بسرقة عمل محمد أحمد، وتنسى عمل كرشيندو؟ أنا عن نفسى أفضل أن أكون مصححا للوضع. وسأوضح لك ما أقصده بالطبع: كنت أقرأ درفيل محمد أحمد، كنت مستغرقا تماما فى القراءة، وفكرت أن أكتب الجزء الثانى والثالث من الرواية، لكن سؤالا مهم طرح نفسه: كيف تمر السنوات ولا تستحم فتاة الليل الحزين؟ قلت هذا لصديق فنصحنى بقراءة الدرفيل الثانى، هكذا قالها واللهى، بعد ذلك عرفت برواية كرشيندو.. وبعد القراءة اكتشفت أن هناك الكثير من الأخطاء.. ليس المهم حياة فتاة الليل ودخولها للبانيو أم لا.. السؤال الآن ما الذى قصده المؤلف الأول للرواية، الرجل الذى نسيناه جميعا، العظيم روكه بركات. ما الذى كان روكه يريده حينما ترك المخطوط ودخل الحمام وترك روايته العظيمة أمام اتنين يسرقوا مال النبى.. هذا هو السؤال الذى شغلنى وروايتى إجابة وافية عليه. هل اتضحت الصورة الآن؟
ويظل سؤال أحمد وائل هذا يتردد في ذهني وأنا ألملم حاجياتي وأمضي. وتظل أسئلته تدور في خلدي. فهل تجد من يسمع لها، هل.. هل.. أسئلة كثيرة تنتظر الإجابة.