"اول طريق الهرب/ شربوا العطش و الصهد/ وف عز عز التعب/ لقيوا عرب عن بعد/ وقربوا قربوا/ يا عطشانين اشربوا/ دانتو عرب واحنا عرب". هكذا هرب أدهم الشرقاوي من سجنه يوما ما، والعهدة على عبد الحليم حافظ ومرسي جميل عزيز. والعهدة عليهما أيضا في أن العروبة تظهر بلسما وروحا طيبة بين الإخوة في الشدائد.
***
المصريين بشكل عام يطلقون على البدو أو قاطني الصحراء اسم العرب. وبسهولة نستطيع تخيل أن الروح القومية الثورية في الستينيات كانت بتتبضن من هذه التسمية، لأنها ترى أن كل ما بين المحيط للخليج هم عرب، حتى الثعالب في أوكارها والطيور في أقنانها. وبالتالي فقد تولى السيد جميل عزيز، في محاولته لتطويع الملحمة لصالحه عندما كتب كلماتها لعبد الحليم حافظ، مهمة بستفة الوعي المصري كله، حينما جعل واحدا من العرب يقول لأدهم الفلاح إنتو عرب واحنا عرب. كان يهدم تراثا عفويا يسمي قاطني الصحراء بالعرب، مما يعني، بداهة، أن غيرهم مش عرب.
ولكن، يظل السؤال قائما: إذا كان أدهم ورفاقه عربا، زيهم زي الناس الذين لاقوهم في رحلة هربهم، فما معنى تخصيص الناس اللي لاقوهم باسم العرب في عبارة "لقيوا عرب عن بعد"؟ وليه مثلا لم يتم وصف ادهم ورفاقه قبل هذا الموضع بانهم عرب؟ ولماذا حضرت عروبتهم فقط لتواجه عروبة البدو، العرب الاصليين، العرب العاربة، في مقابل العرب المستعربة اللي هما أدهم وصحابه، الذين أصبحوا فجأة عربا من المحيط الثائر إلى الخليج الهادر، حسب ما أراده قوميو الستينيات الجدد؟ لا تنسوا أن عم أدهم نفسه كان هو من شهد زورا ضده، مع أنه وفقا لذات المنطق، هما الاتنين عرب. لا تظهر الروح العربية في الأغنية إلا لتآخي بين اثنين، العاربة والمستعربة، لترد على دعاوى الفتنة المفرقة بين الجنسين، ولتثبت أن مصر والزودان هيتة واهد، في ملحمة هي أصلا انتصار لشرقاوية بطلها، وليس لمصريته حتى ناهيك عن عروبته.
***
معلومة لا أعرف مدى أهميتها: في يوم من الايام، يمكن قبل حرب العراق واحتلالها، وكانت وقتها كوريا الشمالية تثير العالم ببرنامجها النووي وامريكا اللاتينية تشاغب كالعادة، والدول العربية كانت متواطئة ضد العراق ومع الاحتلال، ظهرت صيحة في المظاهرات ضد الحرب: "عاشت كوريا حرة عربية. عاشت كوبا حرة عربية. وانتم جتكو خيبة قوية." بمعنى اخر: انه فورا - وبشكل ساخر- تم منح العروبة هدية للدول المشاغبة، اللي هي برة المحيط العربي جغرافيا، فقط بفضل تحديها لأمريكا، ومنحت الخيبة القوية للعرب "العاربة"، يعني الأصليين، مع سلب عروبتهم عنهم بالبداهة ، لأنهم تواطئوا مع أمريكا ضد اختهم العربية.
..........
............
...............
وهذا يا سادتي الأفاضل كان مثالا واحدا على ان العروبة هي متاع بورتابل، نقال أو محمول، يمكن تحريكه من مكان لمكان بسهولة وبراحة تامة. هو أكثر أمانا من أي شيء آخر لا يسبب مشاكل في نقله ولا يجرح الباركيه.