Friday, November 30, 2007

الرجوع إلى الوراء

في البداية أحببت أن أرجع إلى الوراء خطوة، عادي، دست باك، رجعت إلى الصفحة السابقة على شاشة الكمبيوتر، الكمبيوتر كان شغالا لمدة ثلاثة أيام، كنت أحمل عليه أفلاما لثلاثة أيام، وأنا فاتح شاشة الفيسبوك، وفاتح المدونة، وفاتح الإيميل، وشغال، لتلات أيام كنت شغال، بلا راحة، والجهاز لا يشتكي يا عين أمه، رجعت إلى الوراء خطوة على الشاشة، الإيميل الذي رجعت فيه خطوة كانت فيه رسالة غير مقروءة، أشاهدها الآن تحمل إشارة unread message بينما أنا أعرف جيدا ما بها، وخطوة دائما تجيب خطوة، وطريق التنازلات لا نهاية له، دست باك مرة أخرى، ومرة ثالثة ورابعة، فجأة وجدت نفسي فاضي، كنت قد حملت الأفلام التي أريد تحميلها، وليس وراء جهازي أي حاجة غير اللعب المجرد، اللعب الصافي، إلا أن يكون خادم الاستمتاع الشخصي لي، أن يكون معرصي الخاص، وسيلتي لاسترجاع ما حدث في الأيام الثلاثة الماضية، شيئا ما يشبه العودة إلى الماضي، ويعرف الجميع طبعا أن العودة إلى الماضي فعل عبثي، لأنه حتى ونحن نركب آلة الزمن ونعود إلى الأربعينيات فلن يتوقف الزمن عن المضي أماما، عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء، ومن كان منكم يملك ساعة في يديه فلينظر فيها وهو جوا آلة الزمن، ومن كان لا يملك فليخرج موبايله، المهم، بإرجاعي الصفحة باك ثم باك ثم باك، أمكنني أن أشاهد من جديد الأراضي البكر التي كنت قد اقتحمتها بعد ذلك، أشاهدها ببكارتها الأولى، مساحة فارغة لتعليق كنت قد ملأته واتشتمت بسببه، تدوينة كنت لم أكتبها وقتها، شتيمة تراجعت عنها فيما بعد، تزهر على جانبي الطريق الذي أسير فيه عائدا آلاف الاحتمالات البديلة لما حدث في الأيام الثلاثة، لثلاثة أيام أخرى كنت أدوس باك وراء باك، "وراء باك" قد يقرأها أحدهم بشيء من الركاكة باعتبارها و"اراقبك"، أراقب نفسي، ليس بالضبط، أراقب تقدمي، وأمارسه مقلوبا، أعود من نفس الطريق التي أتيت منها، أشاهدني وأنا أصغر وأصغر في الزمن أياما ثلاثة، أراقبني معكوسا، وأنا أتحول إلى الطفل – أو، على الأقل، الأكثر طفولة – الذي كنته من ثلاثة أيام، الفايرفوكس يعمل بديلا عن الذاكرة وعن آلة الزمن، يريني ما كان عليه الأمر سابقا، يسألني، هو قوادي كما اتفقنا، حلو كدا يا باشا فأقول له شغال، فيعيد اقتحام صفحة أخرى، وينتقص من عمري ثوان أخرى، ويعيد تكوين غشاء بكارة الصفحات التي كنت قد فضضتها من قبل، ويعيد انتهاكي لبكارتها، أنا المؤمن الذي يفض حور عينه طوال الوقت وطوال الوقت لا يتوقف غشاءهن عن التكون لدرجة عودتهن أبكارا من أول وجديد كل تلات دقايق يا برنس، تصور إنت!


Friday, November 23, 2007

يوم القيامة المائل إلى الاحمرار دوما

يوم القيامة لم يعد يحظى بالاهتمام في عالمنا المعاصر، وهذا دليل جديد على انحطاط الحضارة.

نعلنها بأسى، أنه على قدر ما يتزايد الاهتمام بالمسائل الحقوقية واضطهاد المرأة والحروب والتفرقة ضد الأعراق المختلفة، وعلى قدر ما يتم علف الأسواق العالمية بالمزيد من الاستثمارات، وعلى قدر ما تتم المناداة بالمساواة، وكأن العالم ناقص، بل وعلى قدر ما يهتم البشر الآن بعذاب القبر والجنة والنار والصراط المستقيم، فإن الاهتمام يذوي تماما بيوم القيامة، وهو ما يفترض أنه مسرح لكل شيء، للخارجين من قبورهم مثل الخارجين من أود نومهم، أي أنه مسرح يثير خيال حتى موظفي شئون العاملين. أي دليل آخر يريده القراء على أننا نعيش عصر انحطاط الخيال؟


***

ذات يوم بعيد، كنا في مدارسنا لا نزال، قالوا لنا أننا سنكون يوم القيامة هكذا، وأشاروا بأصبعيهم السبابة والسبابة من كل كف، ولفوهما حول بعضهما مصداقا لقوله تعالى والتفت الساق بالساق. ومن حوالي اتناشر سنة، أتذكر هذا جيدا وكأنه حدث بالأمس القريب يا إخواني، أظلمت الدنيا نهارا. هبت رياح وأتربة. وتدريجيا تحول اللون العام إلى الاحمرار. وعليه تم تشغيل القرآن في جميع محلات إبراهيم اللقاني حيث أسكن. قيل أنه يوم القيامة. هذا جيد، يوم القيامة أحمر إذن. وصلنا إلى معلومة مفيدة. وكانت هذه آخر المعلومات التي أعرفها عن ذلك اليوم.

***

لم يتسائل أحد عن مزاج الناس قبل القيامة بخمس دقائق: هل سيكونون مبسوطين حتى يأخذهم الله على غفلة وهو المنتقم الجبار، أم حزانى حتى يمهد لهم الله وهو العفو الرحيم؟ هل سيكون يوم أجازة، جمعة مثلا، يخرج الناس من بيوتهم فيه إلى الجنة أو النار أم يضطرون للخروج من الشغل؟ أم سيكون بمثابة كبسة ويحدث الخميس بالليل، حيث الجميع متلبسون، والله كما نعلم لا يحتاج إلى شعرة، لأنه السميع البصير. لا أحد يعرف عن هذه التفاصيل شيئا، بل، وهو الأنكى، بدا أنها لا تشغل ولو سنتيمترا من فضول الناس، على الرغم من أهميتها لترتيب المرء لأوضاعه وأشغاله ومواعيده يومها. قُل علمها، أي علم الساعة، عند ربي، هذا هو القانون الصارم الذي لم يستطع تجاوزه أحد حتى الآن، ولو حتى بانطلاقة لخيال غير محدود.

***

يوم القيامة هو يوم الحقيقة أيضا. أرشيف كامل من المعلومات والآراء النقدية الصحيحة يصبح أخيرا مشاعا لمن هب ودب. يقول لنا الله مبتسما: طول عمركو فاكرين أن صنع الله يكتب أحسن من بهاء طاهر، لا يا عبادي. الحقيقة هي أن بهاء أفضل من صنع الله بلا جدال، أو العكس طبعا. ونضرب نحن كفا بكف لأننا كنا مخدوعين طول عمرنا. أو نعرف أن أحمد زكي ليس ممثلا جيدا وأن طلعت زكريا لو كان أدى أدواره لكان أفضل بما لا يقاس، أو أن رولان بارت كان هو الناقد بألف لام التعريف، في مقابل دريدا الذي لم يكن مجازه الخاص بالاستمناء وتناثر المني دقيقا بحال. أو أن سائق الاوتوبيس عندما وصف الراكبة التي طلبت النزول في غير المحطة بأنها تحتاج رجلا يزبطها كان كاذبا، لأن احتياجها في هذه اللحظة كان إلى معرص يوفر لها مكانا هي والرجل الذي كان موجودا بوفرة، ودعنا لا نقول بابتذال.

***

لنقل أن مقصدنا من التدوينة هو الآتي: ساهموا يا إخواني بكتابتكم في خلق تصور عن شكل مقبول ليوم القيامة الآن. شكرا جزيلا. نراكم على خير.

Friday, November 16, 2007

هوس إثبات براءة السلاطة البلدية

الجمهور الذي ذهب ليشاهد فيلم "سلطة بلدي" لنادية كامل في معهد جوتة لم يكن جمهورا بريئا، هذا أولا.

ببساطة شديدة، الناس سمعت كتير عن الحملة التي اتهمت الفيلم بالتطبيع، ولأن الفيلم يتحدث عن اليهود المصريين - مع خلفية لا يمكن تجاهلها وهي كتاب جوئيل بنين حول شتاتهم – فقد واتت جمهور جوتة، وكان في ذلك اليوم خليطا من اليساريين والليبراليين، الفرصة ليثبت أنه ليست لديه أية مشكلة عنصرية مع اليهود، لذا جمعت بينهم الرغبة العميقة في إثبات براءة الفيلم من شبهة التطبيع التي اتهم بها، ومثلما فعل الليبراليون واليساريون في دفاعهم عن "وليمة لأعشاب البحر"، أي محاولتهم بشتى الطرق إثبات "إسلام الرواية"، هكذا قرر الجمهور أن يفعل يومها، هذا ثانيا.

***

الفيلم صادم تماما. نشاهد فيه، يمكن لأول مرة، مصريين يزورون بيت يهود إسرائيليين، وليسوا إسرائيليين فحسب، إنهم يرتدون أيضا الطاقية اليهودية ويخدم أولادهم في الجيش الإسرائيلي، يمزحون معهم ويهيصون وينسون أم السياسة التي تتربص لهم على الباب. لا أستطيع الإجابة عن سؤال إن كان الفيلم يدعو للتطبيع أم لا. لأنني لا أفهم جيدا قصة "يدعو" هذه. ولكنني على يقين أن الفيلم بحد ذاته هو ممارسة للتطبيع. وإلا فما هو الاسم الجدير بفعل الدخول إلى قلب إسرائيل، ليس الضفة أو غزة وإنما إسرائيل، زيارة يهود، ليسوا صباريم، أي لم يولدوا في إسرائيل، وإنما هاجروا بمحض إرادتهم إليها وسكنوا في بيوت عرب تم تهجيرهم، وقول بطل الفيلم – سعد كامل – أنه يفرق بين الحكومة والشعب الإسرائيليين ويضيف: "الشعب الإسرائيلي شعب طيب"، كأنه بيتكلم مثلا عن الشعب الأمريكي أو الفنلندي. إذن الفيلم هو عمل تطبيعي من الدرجة الأولى، مثلما بالضبط هي علاقة نجيب محفوظ ومحمود درويش وإدوارد سعيد بالإسرائيليين، ومثلما هي زيارة أهداف سويف إلى تل أبيب. وهم جميعا رموز لنا يجتاحنا نفس الهوس لتبرئتهم من تهمة التطبيع أو لتبريرها لديهم.

***

هوس إثبات براءة الفيلم كان هو السبب الذي جعل الضحك الهستيري ينتشر في القاعة يومها ردا على مشاهد بعينها، أفيش عمرو خالد الكبير في ميدان التحرير ومشهد الطفل وهو مرتبك أمام جدته – نائلة كامل – التي تقرأ عليه بطاقة هوية أبيها: الديانة إسرائيلي. أراد المشاهدون أن يفهموا كون الطفل يسخر من عنصرية إسرائيل التي لا تفرق بين الدين والجنسية. طبعا جمهور كهذا لم يقنعه تبرير الجدة بأنه قبل قيام دولة إسرائيل كانت كلمة إسرائيلي تعني يهودي، لم يقنعه كون المشكلة لغوية وليست سياسية وأن الحديث هو عما قبل إسرائيل. جمهور جوتة في ذلك اليوم، وهو جمهور ليبرالي ويساري في الغالب، وهو الجمهور المتعاطف مع الفيلم، كان فخورا باستنارته ونكرانه على إسرائيل كونها دولة قامت على الدين. لذا لم يتح الجمهور لأحد، ولا حتى لبطلة الفيلم وأجمل شخصياته، أن تفسد عليه فخره بنفسه هذا، يضاف إلى هذا أن الضحك الهستيري على المشهد كان في ذات الوقت دليلا رادعا على وطنية الفيلم، أي على براءته من التطبيع، لا ينبغي أن ننسى هذا، هذا ثالثا.

***

فيلم "سلطة بلدي" يستحق كل الضجة المقامة حوله، إنه فيلم يدخل إلى قلب إسرائيل ومع هذا يتجرأ على عدم تصوير معاناة الفلسطينيين. فيلم يتحدث عن الإسرائيليين باعتبارهم بشرا، و ما جاء فيه ليؤكد الآراء العربية حول العنصرية الإسرائيلية حدث بشكل عفوي تماما ولم يخطط له أحد. بهذا المعنى، ومن المنظور القومي الوطني، فالفيلم غير بريء أبدا، وربما تكون عدم براءته هذه بالتحديد هي ما جعلته واحدا من أكثر الأفلام أهمية وجمالا في الوقت الحالي.

وكان هذا رابعا وأخيرا.

Friday, November 09, 2007

حفل التوقيع أو الرغبة الفيتشية في لحس الكتب

1

في الأيام الأخيرة التقيت بأكثر من شخص، أكدوا جميعا على أن المناقشة التي عقدت مؤخرا لروايتي كانت، بجانب كونها مناقشة، حفلة توقيع عظيمة للرواية. رددت عليهم برد ظننته كافيا، وهو أنها لم تكن حفل توقيع، ولكن على ما يبدو فإن رغبتهم في مجاملتي جعلتهم يصرون على خطأهم التاريخي والمنطقي، التاريخي لأن الحدث كان مناقشة وليس حفل توقيع. هذه حقيقة تاريخية مثلها مثل أن الحملة الفرنسية على مصر تمت عام 1798. والمنطقي لأنني لم أوقع يومها سوى عدد من النسخ المحدودة للأصدقاء فحسب، أي أن الحدث لم يكن توقيعا ناهيك عن أن يكون "حفلا" له. النوايا الطيبة يا أصدقاء لا يجب أن تجعلنا نتجنى على علمين مهمين مثل التاريخ والمنطق.

2

حب القراء للكاتب هو حب منحرف جنسيا، حب قائم على الفيتش بالأساس (يعرف كل من قرأ ثلاثة كتب في حياته أن الفيتش هو الرغبة الجنسية في أشياء ليست هي المواضيع التقليدية للإثارة، وإنما هي آثار فحسب من المحبوب: قدماه، أصابعه أو شراباته أو ملابسه الداخلية). ليس أهم ما في حب القراء للكاتب هو فعل النيك، ليس أهم ما في الكاتب بتاعه، أي قضيبه أو فرجه، أي كتابته، أي المتعة المباشرة من وراه، وإنما أثر بعيد، توقيع صغير خطه قلمه المقدس، ورقة يرتبط فيها اسم القارئ بكاتبه المفضل، الذي كان أخينا القارئ يراه رأي العين في مكان ما، آه والله - وااااااو، وكان شكله عامل ازاي؟ - انا قعدت ربع ساعة متنحة قدامه مش عارفة اتكلم - يا بختك يا ديدييييي أنا كمان بحبه مووت، وآه يا قلبي. حتى الآن لا أفهم أهمية توقيع الكاتب على كتبه إلا بوصفه هكذا. تعلق القراء بتوقيع الكاتب أو بكلماته المؤثرة التي قيلت لهم بشكل شخصي هو تعلق فيتشي بأعضاء، مثل البيضان، لا تنيكهم، ولكنها، على خلافه، تخلو من النجاسة. أشياء مثلها مثل سائر الأعضاء ببساطة، مثل الأظافر أو الغدة الدرقية أو شعر صوابع الرجلين، هل لشعر صوابع الرجلين أهمية في العملية الجنسية؟ بالتأكيد. عند الفيتشيين. وكلنا بمعنى ما فيتشيون.

3

وبشكل ما، فانبهار الناس وهم يقابلون كاتبا أو آخر، مع أن الكتاب مرطرطون على القهاوي، هو انبهار استمنائي، هو انبهار يداخله اليقين بأن الكاتب مظلوم لأنه ليس نجما، وليس مثله كمثل نجم السينما والتليفزيون والكورة. يفكر القارئ الطيب: على الكاتب أن يكون نجما، وحتى يكون نجما لابد أن يكون له جمهور يحبه ويتعقب خطواته، وعلى الجمهور، الذي هو أنا، ألا يصدق أنه يقف بحضرة الكاتب شخصيا، أن ينبهر بحضرة الكاتب ويفشخ بقه شبرين. ولأن الجمهور لا يصدق أنه قابل الكاتب بنفسه، فهو يحتاج إلى ختم من الكاتب، وأي ختم أفضل من توقيع الكاتب على كتابه، وتحويل ذلك التوقيع إلى طقس. مسيرة سرتنية طويلة تتم حتى وصول الجمهور، بيده هو، بدون الإضطرار لتحديد إن كانت اليمنى أو اليسرى، إلى الأورجازم المشتهى للقاء الكاتب النجم.

.................

...................

.....................

ومن وقتها يا قرائي الأعزاء وحفل التوقيع شيء مهم جدا في حياة أي كاتب منا.

Friday, November 02, 2007

تحولات الباضن والمبضون في المسألة الإسلامستية

يوما ما، اصطادني أحد الإخوة وأنا خارج من بيتي. مشي معي قليلا. بعد قليل كسر تردده وفتح الموضوع الذي كان يؤجل فتحه من يومين. قال: يا أخي ابقي خلي اختك اللي كانت معاك من يومين تلبس حجاب. سألت نفسي عن القدرة السحرية التي جعلته لا يرى الصليب الكبير على صدر "أختي". بس دي مش أختي يا عبد الرحمن. دي صاحبتي. يفكر عبد الرحمن قليلا. يصمت قليلا: آه. وماله. ابقي خليها تلبس الحجاب برضه.

بعد سنوات، وكنت قد انفصلت عن الإخوة الملتزمين تماما، بل كنت أتحاشى النظر إليهم أحيانا كي لا اضطر للسلام، واجهني عبد الرحمن نفسه، ولم تكن يعيبه إلا إصراره على تقبيل إخوته الملتزمين من أكتافهم. سألني بوضوح: مبقيتش تيجي الجامع ليه؟ قلت له: بصلي في الشغل. قال لي: انا بصراحة حاسس ان عندك مشاكل نفسية. صح؟

أي رد يمكنه مواجهة هذه الضربة غير المتوقعة!؟


كانت هذه حكاية حول كيف يمكن أن يكون الإخوة الملتزمون مفاجئين وجنونيين أما من يقفون على الطرف المقابل فهم العاجزون قليلو الحيلة والخيال معا.

***

كان لي صديق اسلاميست. متعصب وفاشيست. كان دمه خفيفا ابن الجزمة، وكان مبهرا، أشبه بشخصيات عباس العبد، وكان بيتبضن، كما يجدر بالناس على شاكلته، من كل كلام له علاقة بحرية التعبير وحرية الفكر وحرية الاعتقاد وحرية الأي حاجة، ومعه حق طبعا.

***

نخش في الموضوع. دائما أبدا، مشكلة هؤلاء الذين يؤمنون بحرية الأي حاجة، الفكر والتعبير والاعتقاد، أنهم فعلا بضينون. خطوط دفاعهم مهما زادت لن تخرج عن ثلاثة او اربعة، على حسب تدرجهم الوظيفي في مرتبة المدافعين عن الحرية. الأولى: هو مسلم واهو الدليل من كتاباته ولا تقرؤوا النصوص مقتطعة من سياقها يا ولاد الوسخة يا تكفيريين يا ظلاميين. التانية: من له الحق ان يفتش في الضمائر؟ الحجة التالتة والأكثر جذرية: من حق اي حد يفكر زي ما هو عاوز.

***

ماكينة دعاية عملاقة تدور حول ثلاث حجج دفاعية ليس اكثر، تتكرر بالاف الاشكال وفي آلاف المواقف كل يوم. كيف يمكن ألا تكون هذه ماكينة مخصوصة للبضن على أناس يملكون خيالا إيروتيكيا فذا يمكنهم من تخيل الخيارة قضيبا "هل مازال أحد يذكر التسعينيات؟"، والسافرة الوجه يتخيلونها مرتدية البيكيني ليطلعوا دين ابوها، أو يعيبون على غير الملتزمين ليس بعدهم عن الله وإنما كونهم مرضي نفسيين. يستحق التكفيريون احترام الجميع لخيالهم الرهيب، خيالهم الذي لا تقف أمامه عوائق المسافة ولا اللون ولا الدين بالأساس. ليس هناك من هو من اكثر إملالا من شخص يقول فكرة صحيحة. وليس هناك من هو أكثر إبهارا من شخص يقول أفكارا جنونية بلا رابط بينها. لنتخيل دعوى تطالب بقتل كل أطفال الأقباط الذكور أو قطع قضبانهم الصغيرة، أو لنتخيل الوقع الساحر لفكرة حرق اليهود في أفران الغاز، أو فكرة الفسطاطين العظيمة، فسطاطي الكفر والإيمان، وداري الحرب والسلام. نحن بإزاء خيال دموي ابن حرام لا تسعه أرض ولا سماء، وفي المقابل فلا نملك لمواجهته إلا أن نكرر هذا صح وهذا غلط! أليس هذا عيبا بحق تاريخ الجنون في العصر الحديث.

***

نصيحة: عندما يقول لك شخص أنت مرتد ووجب قتلك، فلا تجادله. بمجادلته تهين خياله الروائي. زايد عليه. قل له ووجب علينا قتل كل من يقبلون الآخرين من أكتافهم. هو ينتقم منك لانك جرحت مشاعره الدينية، انتقم منه لأن شكله لا يعجبك، لأنه مقرف بالنسبة لك، لأنك لا تحب رائحة المسك الذي يتعطر به، ولأن منظر السواك في جيبه يصيبك في مقتل. عبث بعبث والبادي دوما هو الأكثر ابداعا.